المطبخ اللبناني… من تراث ثقافي إلى قطاع اقتصادي فاعل

باتت النكهات العربية وسيلة جذب جديدة لعشّاق السفر حول العالم، ومع تنامي ما يُعرف بالسياحة الغذائية، برز المطبخ اللبناني كواحد من أبرز الركائز التي تعتمد عليها السياحة في لبنان، ووسيلة فعالة لتحريك العجلة الاقتصادية في بلد يعاني من أزمات متعددة.
وفقاً لأحدث تصنيفات 2025 التي نشرها موقع Taste atlas حلّ المطبخ اللبناني في المرتبة الـ35 عالمياً ضمن قائمة أفضل 100 مطبخ، متفوقاً على مطابخ دول تملك إمكانات مادية واستثمارية أكبر. هذا الإنجاز لا يعكس فقط غنى المطبخ اللبناني وتنوّعه، بل أيضاً قوّته الناعمة في تعزيز الهوية الثقافية وجذب السيّاح.
السياحة الغذائية في لبنان: رافعة اقتصادية رغم الأزمات
في بلد يزخر بالتحديات، يبرز القطاع السياحي المرتبط بالغذاء كأحد أبرز الأبواب المفتوحة أمام الأمل الاقتصادي. فالمطبخ اللبناني، بأطباقه المشهورة مثل التبولة، الكبة، الفتوش، والمشاوي، لا يجذب اللبنانيين المقيمين فقط، بل أيضاً السيّاح العرب والأجانب الباحثين عن تجربة ثقافية متكاملة.
تشير الدراسات إلى أن أكثر من 25% من السيّاح العرب يختارون وجهاتهم بناءً على تجربة الطعام، ما يجعل المطاعم اللبنانية، لا سيما في مناطق مثل بيروت وجبيل وطرابلس، نقطة جذب رئيسية. كما أصبحت المأكولات اللبنانية محور اهتمام في المهرجانات الدولية، وبرامج الطهو العالمية، ما ساهم في تعزيز إسم لبنان عالمياً.
صورة تعبيرية (وكالات)
من النكهة إلى الاستثمار: كيف يمكن للمطبخ أن يكون صناعة؟
للانتقال بالمطبخ اللبناني من كونه عنصراً من عناصر التراث الثقافي إلى قطاع اقتصادي مستدام، لا بدّ من تفعيل شراكة حقيقية بين الدولة والقطاع الخاص. فبحسب د. جوزفين زغيب، الخبيرة في الحوكمة والسياحة، “يتطلب هذا التحوّل مجموعة من الخطوات العملية تبدأ أولاً بتطوير برامج متخصصة في السياحة الغذائية، تهدف إلى تقديم المطبخ اللبناني كوجهة قائمة بحد ذاتها، تستقطب الزوار لتجربة النكهات الأصيلة والبيئة المحلية الحاضنة لها”.
كما يُعدّ دعم المطاعم التي تلتزم تقديم الوصفات التقليدية أمراً أساسياً، للحفاظ على الهوية الغذائية وتعزيز جاذبية المطبخ لدى الزوار الأجانب، تقول زغيب لـ”النهار” وتضيف: “وإلى جانب ذلك، يمكن الاستثمار في تدريب الطهاة المحليين والترويج لهم كسفراء للنكهة اللبنانية في الداخل والخارج، عبر مشاركتهم في مهرجانات الطهو العالمية وبرامج الطبخ الدولية”.
وتتجلى أهمية أخرى في تسويق المأكولات اللبنانية كمنتج قابل للتصدير والعلامة التجارية، سواء من خلال الأغذية المعلبة أومالمطاعم اللبنانية المنتشرة في العالم، “ما يُسهم في رفع قيمة لبنان التصديرية ثقافياً واقتصادياً”، برأي زغيب.
وتضيف زغيب: “يمكن دمج المطبخ اللبناني ضمن استراتيجيات الترويج السياحي الوطنية، على غرار النماذج الناجحة التي اعتمدتها دول مثل إيطاليا وتايلاند، حيث تحوّلت المائدة إلى وسيلة جذب سياحي واقتصادي بامتياز”. هذا التكامل بين الغذاء والسياحة من شأنه أن يُعزز تدفق الاستثمارات ويوسّع قاعدة فرص العمل، في وقت يحتاج فيه لبنان إلى روافع اقتصادية غير تقليدية ترتكز إلى مقوماته الثقافية الأصيلة.