زيارة إلى ‘Domaine’ رودي رحمة: مكان يحتفي بجمال لبنان

بقعة هادئة وسط وادي نهر الكلب. الجبال ترتفع شامخةً لتلامس الغيم، والضوضاء تنسحب كأنها لم تكن. هناك، يمتدّ واسعاً “دومين رودي رحمة” (Domaine Rudy Rahme) في امتداد حالمٍ للبنان الذي لم ينكسر، لبنان ذي الوجوه المقدّسة، والوطن الذي يتماهى بملامح انتصاره مع رجل نحت من ألمه جمالاً.
دومين رودي رحمة (النهار)
تعالوا معنا، بهدوء وصمت يُحاكي صمت الطبيعة وسكونها الأنيق، إلى هذا المكان المسكون بالضوء والرجاء. البوابة الخشبية المطعّمة بالحديد الصلب لن تُفتح أمامكم على مرسم كسواه، بل على وطنٍ مصغّرٍ منحوت من الحجر والخشب والبرونز والقصيدة. لا ضجيج هنا سوى وقع الخطى على الأرض التي تعرف أصدقاءها، وتنهيدة الشجر القديم، وأسرار الإزميل على أخاديد الحجر.
ها هو رودي، بين تمثالٍ مكتمل الملامح ووجهٍ يولد من الرخام. عيناه تسرحان في ما لم يولد بعد. أصابعه تحمل صلابة الجبل وليونة القصيدة. يُمسك المطرقة كما يُمسك شاعرٌ قلمَه عندما يكتب عن وطنٍ يحترق ولا يموت.
يمرّ بقربنا تمثالٌ تلو الآخر، أطياف نسّاكٍ خرجت للتوّ من صلاةٍ طويلة، وخلفها وجه أمٍّ شهقت ذات حرب وشاءت أن تبقى واقفة، تشبه لبنان. تماثيل تحكي، تهمس، تلمسنا بصمتها. مرّةً جديدة، إنّه الصمت الأنيق. كلّ تفصيل في هذا “الدومين” يقول شيئاً عن شعبٍ يسقط، لكنه يعرف كيف ينهض، وعن فنانٍ يحفر صمودنا في عين الزمن.
في الطرف الآخر محترف الشعر. أوراق متناثرة، وقصائد بعضها لم يكتمل. رائحة الحبر تختلط بالخشب. رودي ينحت باليد وبالكلمة؛ ولبنان في وعيه وإدراكه قصيدة، وحواسّه تشعر بالوطن وتروي فصولاً. ووسط المبنى تمتدّ الأشجار والأزهار والضوء، والطبيعة أيضاً تكتب شعراً. في الأفق، قباب الكنائس والأشجار الباسقة، وفي القلب، خفقةٌ لا تهدأ: لبنان كما يراه رودي، ليس كما هو، بل كما يجب أن يكون.
هكذا إذن، ندخل قلب فنان، ونخرج من قلب وطن. “دومين رودي رحمة” محترف للنحت والرسم والشعر… وأكثر. إنّه نداءٌ دائم ألّا ننسى أنّ لبنان الحالم ما زال موجوداً، ما زال يعاند ويفتح يديه للإنسان بكلّ تناقضاته، وما زال يُخلق كلّ يوم، بين قصيدة وإزميل.