الحرف اليدوية لصناعة الزجاج في لبنان: عائلة خليفة تحافظ على تراث الأجداد

في بلدة الصرفند الجنوبية، تستمر عائلة خليفة في الحفاظ على حرفة نفخ الزجاج اليدوي التي توارثتها عبر أجيال. تدير المعمل حالياً نسرين خليفة التي تحدثت إلى “النهار” عن تفاصيل مهنة أصبحت نادرة في لبنان.
صناعة الزجاج اليدوي في لبنان (النهار)
تشرح خليفة أن عملية صنع الزجاج اليدوي ليست سهلة، فهي تحتاج إلى سنوات طويلة من التدريب. وتقول: “إذا بدأ الشخص وهو في عمر 12 سنة، يحتاج إلى نحو 12 سنة ليصل إلى مستوى يمكنه فيه نفخ الزجاج بطريقة محترفة”.
وتضيف أن الفرن المستخدم في المعمل يجب أن يصل إلى حرارة 1400درجة مئوية، ويأخذ 24 ساعة ليحترق تماماً، ثم يتطلب فترة تبريد تمتد لـ15 يوماً قبل إعادة استخدامه، وهذا يفرض على العائلة تنظيم عملها بحذر شديد.
المعرفة الفنية ليست كل شيء في هذا العمل، بل للصبر والدقة دور كبير. بعد نفخ كل قطعة زجاج، توضح نسرين: “توضع القطعة على المشواة لتبرد ببطء وبمراحل مختلفة من درجات الحرارة، لأن التبريد المفاجئ قد يؤدي إلى تشقق القطعة أو كسرها”. لهذا السبب، تستغرق صناعة قطعة واحدة ساعات عدة قبل أن تكون جاهزة للتسليم.
تعتمد عائلة خليفة على إعادة تدوير الزجاج المستخدم والمتحطم، إذ تجمع عبوات الماء، وزجاجات البيرة والنبيذ، بالإضافة إلى قطع الزجاج المكسورة والمتناثرة. تقول نسرين: “الألوان التي نستخدمها تأتي من العبوات القديمة التي نعيد تذويبها وصنعها من جديد”. ويتميز الزجاج اليدوي في المعمل بحمله للعيوب الطبيعية التي تنتج من العمل اليدوي، ما يجعل كل قطعة فريدة وتمتلك طابعها الخاص.
في المعمل، يعمل الجد والأب والأخوة معاً، وهم ثمانية أفراد، كل منهم يسهم في إبقاء هذه الحرفة حية في زمن تتقلص فيه الصناعات اليدوية في لبنان. وعن تأثير انفجار مرفأ بيروت، تقول نسرين: “كانت تجربة صعبة، لكننا تمكنا من تحويل الدمار إلى جمال”، مشيرة إلى جمع الزجاج المتناثر من أنقاض الانفجار وإعادة تدويره في المعمل.
العمل هنا لا يقتصر على تلبية الطلبات المحلية، بل يمتد ليشمل زبائن من الخارج أيضاً. تصل الطلبات من محلات الهدايا، والأعراس، والفعاليات التي تطلب القطع اليدوية التي لا يمكن أن تصنعها الآلات بسهولة. لذلك، يبقى الطلب مستمراً رغم طول فترة التصنيع.
توضح نسرين أن طبيعة العمل اليدوي تستدعي صنع كميات إضافية لتلافي الخسائر المحتملة: “إذا كانت هناك طلبية تتضمن 100 كأس ماء، فإننا ننتج نحو 120 كأساً احتياطياً، لأن بعض القطع قد تتعرض للكسر أو تظهر فيها عيوب أثناء التصنيع”. وتضيف: “هذه العيوب، رغم أنها قد تبدو نقصاً، تضفي على القطع طابعاً إنسانياً فريداً لا يمكن تكراره في الزجاج المصنع آلياً”.
يمثّل معمل نفخ الزجاج اليدوي لعائلة خليفة أكثر من مجرد مكان عمل. هو تراث حي يجمع بين الحرفة والصبر وروح العائلة، يحافظ على صناعة تقليدية تندر في لبنان، ويعكس قدرة الإنسان على تحدي الظروف وتحويل المادة الخام إلى فن ينبض بالحياة.