إسرائيل تتبنى انسحاباً “تكتيكياً” في غزة للحد من الاحتجاجات الدولية ضد تفشي الجوع

إسرائيل تتبنى انسحاباً “تكتيكياً” في غزة للحد من الاحتجاجات الدولية ضد تفشي الجوع

بلغت الاحتجاجات الدولية على سياسة التجويع التي تنتهجها إسرائيل في غزة، مستوى غير مسبوق في أوروبا ودول غربية أخرى، معروفة بعلاقاتها الوطيدة مع الدولة العبرية، بدءاً بفرنسا وبريطانيا وصولاً إلى كندا وأوستراليا. وطعنت التنديدات المتصاعدة بمزاعم إسرائيل حيال عدم وجود مجاعة في غزة، بينما كانت الصور الواردة من القطاع لرضّع وأطفال ونساء وشيوخ وعاملين في الحقل الإنساني والطبي والإعلامي تتهاوى أجسادهم بفعل الجوع، تدحض السرديات الإسرائيلية.      


على خلفية هذه الصورة الشديدة السلبية عن تمادي إسرائيل في تجويع سكان غزة إلى الحد الذي وصفه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنه “أزمة إنسانية تتحدى الضمير العالمي”، أعلن الجيش الإسرائيلي “تعليقاً تكتيكياً” لعملياته العسكرية يومياً في المواصي ودير البلح ومدينة غزة، من الساعة العاشرة صباحاً حتى الثامنة مساء بالتوقيت المحلي “حتى إشعار آخر”. وبدأ عمليات إسقاط للمساعدات من الجو، بينما سمح بدخول قوافل إمدادات إنسانية من معبر رفح، إلى معبر كرم أبو سالم في إسرائيل، قبل أن تدخل إلى منطقة رفح في جنوب القطاع.

 

شاحنات تحمل مساعدات غذائية عند معبر رفح. (ا ف ب)

 

والمفارقة أن الإجراءات الإسرائيلية الجديدة، التي شملت أيضاً الاتصال أيضاً بالمنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة للمرة الأولى منذ مدة طويلة، لا تعتبر جزءاً من وقف دائم أو موقت للنار، بدليل استمرار العمليات العسكرية في مناطق أخرى من غزة، غير تلك الواردة في الإعلان الإسرائيلي. كما أن مفاوضات الدوحة متوقفة منذ ليل الخميس عقب استدعاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وفده المفاوض من الدوحة، وانسحاب المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف من الجهود التي كانت تبذل منذ ثلاثة أسابيع للتوصل إلى هدنة الشهرين.

 

وبررت إسرائيل وويتكوف ترك المفاوضات، بما اعتبرتاه رداً غير مقبول من “حماس” على آخر الاقتراحات التي تقدم بها الوسطاء، في وقت وجّه فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحذيرات جديدة للحركة من العواقب.
وهذا ما يشير إلى أن الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل من جانب واحد، لا تعدو كونها محاولة لاستيعاب النقمة الدولية، التي بدأت تُظهر بوادر على ترجمتها إلى خطوات عملية مثل إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعتزام بلاده الاعتراف بدولة فلسطين، خلال الدورة العادية للجمعية العامة في نيويورك في أيلول/سبتمبر المقبل. وهذا حدثٌ، إذا ما حصل، فقد يجر اعترافات أوروبية أخرى، مما يشكل ضربة معنوية كبيرة لكل الجهود الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية.  


وفي الوقت نفسه، تهاوت إلى حد كبير مزاعم الحكومة الإسرائيلية التي تنكر وجود مجاعة في غزة وبأن “حماس” هي التي تسرق المواد الغذائية. إذ أكد برنامج الغذاء العالمي في تقرير له، أن ثلث سكان غزة يمضون أياماً متتالية من دون تناول أي وجبة. وحذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن الوضع “قد تجاوز منذ زمن أي معايير مقبولة – سواء قانونية أو أخلاقية”. ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية عن مسؤولين إسرائيليين، الأسبوع الماضي، أن الجيش الإسرائيلي أجرى تحقيقاً على خلفية ادعاءات “سرقة حماس للمساعدات” ولم يعثر على أي دليل.   

احتواء الاستنكارات
ما يهم إسرائيل الآن احتواء الاستنكارات الدولية، والظهور بمظهر المستجيب للنداءات الدولية بالإقلاع عن سياسة الحصار المطبق التي تنفذها منذ آذار/مارس الماضي، من دون الذهاب إلى تنازلات على صعيد وقف النار المستدام أو الموقت. وترجمت ذلك بالإتيان بـ”مؤسسة غزة الإنسانية” المثيرة للجدل كي تتولى توزيع المساعدات على جزء من السكان في مناطق “طهرتها” القوات الإسرائيلية من “حماس”. لكن الأمر الذي تحول إلى “مصيدة قتل” يومي للجياع وتعميقاً للفوضى وسيطرة للعصابات المدعومة من إسرائيل على بعض الجيوب، تحوّل إلى فشل أخلاقي آخر لإسرائيل ومن خلفها للولايات المتحدة التي دعمت هذه الآلية، التي كانت سبباً رئيسياً في استشراء الجوع.