تغييرات في سياسة الهجرة الأوروبية: ألمانيا تنتقل من دولة مضيافة إلى قائد خطة المنع والترحيل

تغييرات في سياسة الهجرة الأوروبية: ألمانيا تنتقل من دولة مضيافة إلى قائد خطة المنع والترحيل

تبدّلت سياسة الهجرة واللجوء في ألمانيا بفعل التحولات السياسية والتطورات الأمنية والاقتصادية التي تشهدها أوروبا، فبعد أن كانت رأس الحربة في الدفاع عن اللاجئين وفتحت حدودها لاستقبالهم على مرّ السنوات الماضية، أضحت اليوم تلعب دور المنظّم لترتيبات التشدد الصارم على المستوى الأوروبي، وعلى كافة المستويات: من إغلاق الحدود، والتضييق الحاصل في البتّ بطلبات اللجوء ومنح الإقامات، إلى تعليق لمّ شمل الأسر لأصحاب الحماية الثانوية، ووقف الدعم لمنظمات الإنقاذ البحري في المتوسط، وغيرها من الملفات ذات الصلة.

محرّك ضد الهجرة واللجوء
تُوّج هذا التحوّل خلال قمة الهجرة التي انعقدت الأسبوع الماضي في تسوغشبيتسه، أعلى قمة في ألمانيا على جبال الألب، وضمت إلى وزير الداخلية الألماني ألكسندر دوبريندت كلاً من وزراء داخلية النمسا، والدنمارك، وبولندا، وجمهورية التشيك، وفرنسا، إضافة إلى المفوض الأوروبي للهجرة برونر. جاهر دوبريندت بأن برلين لم تعد معطّلة، بل باتت المحرك الرئيس للتشدد في قضايا الهجرة غير النظامية، مكرساً بذلك التوجّهات الجديدة لاتفاق الائتلاف الحاكم الذي يقوده الاتحاد المسيحي، والرامي إلى تشديد التعامل مع اللاجئين، وخفض الأعباء عن الولايات والبلديات والمجتمعات، فضلاً عن العمل على مكافحة تدفق الأموال غير المشروعة من قبل تجّار البشر.
هناك أيضاً مطالبات بالحفاظ على المعايير الاجتماعية العالية في أوروبا، بعد أن أثقلت أزمة الهجرة كاهل ميزانيات دول الاتحاد.
وبشأن حيثيات موقف دوبريندت وتأكيده أن هناك وحدة ووضوحاً والتزاماً مشتركاً لضمان تنفيذ أشمل وأسرع ضد اللاجئين، يقول الباحث السياسي توماس برغمان لـ”النهار” إن تغيّرات جذرية طرأت على مواقف أطراف الائتلاف الحاكم في البلاد وعلى الساحة الأوروبية. ويلفت إلى أن ألمانيا باتت في المقلب الآخر، فبعد أن كانت إلى جانب دول مثل لوكسمبورغ في الدفاع عن حقوق وحماية اللاجئين، أصبحت اليوم في المركب نفسه مع دول مثل النمسا والدنمارك المتشدّدتين في هذه القضية. ويبدو أن هناك خطة للحد من استقطاب اليمين الشعبوي للمؤيدين، على حساب الأحزاب التقليدية.
ومع انضمام ألمانيا إلى هذا المعسكر، استقر عدد الدول المتشددة في سياسة اللجوء داخل التكتل الأوروبي عند 14 دولة من أصل 27.
ويضيف برغمان أن استضافة القمة مثّلت نقطة تحوّل واضحة في سياسة الهجرة الألمانية، بعدما كانت الأخيرة كابحاً لسياسات التشدد في بروكسل. أما اليوم، فترغب برلين في إعطاء دفعة قوية لسياسة هجرة أوروبية أكثر صلابة، وتطبيق إجراءات اللجوء خارج الاتحاد الأوروبي. فقد أصبحت ألمانيا في مقدمة الدول التي تنتقد أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، معتبرةً أنها تعرقل صياغة سياسة هجرة وطنية.
ومن بين الأمور المطروحة، تطالب ألمانيا بإلغاء ما يُعرف بـ”عنصر الصلة” أو “شرط الارتباط” من اللائحة الأوروبية، والذي يمنع الترحيل، ويفرض ضرورة أن تكون للمهاجرين صلة قانونية أو شخصية واضحة بالدول الثالثة التي يُرحّلون إليها أو تُنقل إليها إجراءات لجوئهم. وتؤكد برلين أن الحماية التي يوفرها الاتحاد الأوروبي لا تعني بالضرورة الحماية داخله، في إشارة إلى إمكان إيواء طالبي اللجوء المطلوب منهم مغادرة البلاد في مراكز خارج الاتحاد. كل ذلك يأتي في إطار السعي إلى تعزيز النظام الأوروبي وتشديده، حيث “لا ينبغي السماح للمهربين والمتاجرين بالبشر بتحديد من يُسمح له بالدخول”، وفق ما جاء في التصريحات الرسمية.

التنظيم لا المنع
مع هذا الدور المستجد لألمانيا وقيادتها دفة أمور الهجرة غير القانونية إلى أوروبا، برزت انتقادات واعتراضات من قبل سياسيين ومنظمات مدافعة عن حقوق اللاجئين. فقد انتقدت مفوضة الحكومة الاتحادية لشؤون اللاجئين، ناتالي باوليك، والمنتمية إلى الحزب الاشتراكي، سياسة وزير الداخلية المتشددة في قضايا الهجرة واللجوء، موضحةً بأن المطلوب هو “السيطرة والتنظيم”، لا تعزيز منع الهجرة، كما أكدت أهمية التحديث وتعزيز التكامل في سياسة الهجرة الألمانية.
أما النائب عن الاشتراكي هاكان دمير، فانتقد في حديث مع إذاعة “دويتشلاند فونك” التغييرات التي اقترحها دوبريندت على بروكسل، محذراً من التشدد المبكر في سياسة الهجرة، واعتبر أن إجراء نقاشات في هذا التوقيت أمر سابق لأوانه. وأوضح بأنه، رغم تأييده لبعض التغييرات، يرى وجوب أن تكون الأولوية لتطبيق اللوائح المتفق عليها على مستوى الاتحاد الأوروبي. ومن المقرر أن تدخل حزمة الهجرة واللجوء التي اعتُمدت العام الماضي حيّز التنفيذ في حزيران/يونيو 2026.
ومن المعروف أن الإطار المالي الأوروبي للسنوات السبع المقبلة سيسمح بزيادة تمويل الأمن وحماية الحدود والهجرة بنحو ثلاثة أضعاف.
بدورها، لم توفّر الجمعيات الكنسية السياسات الأوروبية المتشددة من انتقاداتها، إذ حذّرت جمعية كاريتاس الكاثوليكية من إرساء مزيد من العزلة. وقال عضو مجلس الإدارة المسؤول عن الشؤون الدولية والهجرة والإغاثة، أوليفر مولر، لشبكة “ARD” الإخبارية، إن منع الهجرة عبر حواجز جديدة “يعزز في المقام الأول المهربين عديمي الضمير”، داعياً إلى إنشاء طرق قانونية لوصول المهاجرين بدلاً من بناء جدران جديدة.
أما منظمة الإغاثة البروتستانتية “خبز للعالم”، فاعتبرت، على لسان مسؤول الهجرة فيها أندرياس غروينفالد، أن السياسات المستجدة في ملف الهجرة “تفتقر إلى رؤية سياسية”، مؤكدةً أن الدول الأوروبية المشاركة تسعى إلى التهرب من مسؤولياتها، بدلاً من جعل نظام اللجوء أكثر فاعلية، من خلال إسناد الإجراءات إلى دول ثالثة على سبيل المثال.
وقد نصت الوثيقة الختامية للدول الست المشاركة في القمة على ضرورة حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وإغلاق طرق التهريب الجديدة، بما في ذلك تلك العابرة لدول البلطيق، وتنفيذ حزمة الاتحاد الأوروبي للهجرة واللجوء التي اعتُمدت عام 2024 بسرعة، مع التشديد على تنفيذها، وجعل إجراءات اللجوء ممكنة من دول ثالثة خارج الاتحاد مستقبلاً، فضلاً عن التركيز على عمليات ترحيل منتظمة، بما في ذلك إلى أفغانستان وسوريا.