الاغتراب العكسي: كيف يتمرد اللبنانيون على تقليد الهجرة ولماذا يفضل الأجانب لبنان رغم التحديات؟

الاغتراب العكسي: كيف يتمرد اللبنانيون على تقليد الهجرة ولماذا يفضل الأجانب لبنان رغم التحديات؟

كاتیا سعد ــ  الإمارات 

 

 

 

 

كم من حقیبة حُزمت في البیت اللبناني، وكم من وداع شھدته أرض المطار، وكم أمنیة “ع بالي فلّ من ھالبلد” خرجت من أفواه اللبنانیین… لیحمل العدید من اللبنانیین لقب “مغترب”. لبنان الذي یودّع أبناءه یومیاً، یستقبل أبناء بلد آخر قرروا أن یكون وجھة غربتھم. إنّ “الاغتراب العكسي” یعزّز من مكانة لبنان كوجھة اغترابیة، ولیس فقط كوجھة سیاحیّة. الیوم وأنت تتصفّح وسائل التواصل الاجتماعي، بالتحدید تیك توك، ستجد العدید من صنّاع المحتوى الأجانب الذین ینقلون تجربة إقامتھم في لبنان. وفي لقاء مع “النھار”، تحدّث كل من میلیسا (فرنسیة) وتایلور (أمیركي-اسكوتلندي) ودیانا (أوكرانیة)، عن لبنان “بیتھم الثاني” وأسلوب الحیاة الفرید من نوعه. ولكن، ھل شكلت أزمة لبنان دافعاً لمغادرته؟ 
میلیسا: أزمة لبنان أوصلتھا إلیه 
یردّد اللبناني، مقیماً ومغترباً: مھما كانت الظروف، الحیاة تستمر وكل شيء یصبح عادیاً. وانتقلت ھذه العدوى إلى میلیسا التي قالت لي مبتسمة: “منذ أن انتقلت إلى لبنان، أصبحت أشیاء، كنت أعتبرھا خطیرة جداً سابقاً، عادیّة”. 

 

 

 

 

 

 

صحیح لم تكن لدى میلیسا صورة نمطیة تخیفھا قبل المجيء إلى لبنان، لكن “موضوع الأمان كان ھاجساً، لیس لأن لبنان بحد ذاتھ خطیر، ولكن بسبب المنطقة بشكل عام”. لكن “لم أشعر یوماً أنني في خطر كفتاة، حتى عندما أعود إلى المنزل في وقت متأخر”. 
اللافت في قصة میلیسا كیف أنّ أزمة لبنان ساھمت في انتقالھا إلیه، في 7 كانون الثاني/ینایر 2022، “ولن أنسى ھذا التاریخ أبداً”. قبلاً، سافرت من فرنسا إلى إیطالیا للدراسة، وكان من شروط التخرج أن تقضي على الأقل 6 أشھر في أحد فروع جامعتھا في الخارج. و”فعلتُ المستحیل كي لا أسافر مرة أخرى (…) اخترت دولاً كنت أعتقد أن جامعتي سترفض إرسالي إلیھا بسبب الأوضاع غیر المستقرة، ومنھا لبنان”. و”لكن خطتي فشلت”. ووصلت لبنان واستقررت فیه، وسرعان ما “أصبح لبنان بیتي”. لم یكن صعباً على میلیسا التأقلم، وأصرّت تعلمّ اللغة العربیة على الرغم من سھولة التحدث بالفرنسیة والإنجلیزیة مع اللبنانیین. وعلى الرغم من الظروف الأمنیة والسیاسیة، لم تفكّر یوماً بمغادرته “كنت فقط أسافر لزیارة والديّ في فرنسا كي لا یقلقوا عليّ”. فھي تؤمن أن عدم الاستقرار ھو حال كل بلد، و”لو كانت السلبیات أثقل في المیزان من الإیجابیات، كنت سأغادر منذ زمن”. 
  تایلور: سباق الوصول للقمة لا للقاع 
 نعم “لبنان، كما أي بلد في العالم، لیس مثالیاً وھناك صعوبات”، یؤكّد تایلور، لكن “في ھذه العیوب بالذات تجد الجمال والحریة التي ضاعت في الغرب (…) مكان تقدر تعیش فیه الفخامة والقریة في الیوم نفسه… تقدر تشوف أجمل غروب الشمس فوق الغیوم، وبعدھا ترى ألعاباً ناریة في یوم ثلاثاء عادي”. وھذا سحر لبنان، الذي تعیش فی أسلوب الحیاة الذي تختاره أنت. 
لبنان في عین تایلور ھو عكس ما كان یسمعه في صغره، حینھا لم “أدرك أنّ لبنان ھو بلد أصلاً، وفي المدرسة كانوا یتحدّثون فقط عن الشرق الأوسط، وكانوا یربطونه بالصحراء والجِمال والإرھاب”. ولكن عندما زار بیروت في كانون الأول/دیسمبر 2022، “اكتشفت كنائس رائعة، أفضل مطبخ في العالم، وأرضاً تاریخیة فیھا روح وحیاة”. وعلى الرغم من أنّه تنقّل في العدید من الدول، لكنه وجد في لبنان “المكان الذي أشعر أنني أعیش فیه الحیاة بكل طاقتي”، وانتقل من أمیركا إلى لبنان في حزیران/أبریل 2023. 
وقع تایلور في حب المطبخ اللبناني من اللحظة الأولى خاصة الكبة النیة، الشواطئ، التلال، الجبال، الطبیعة، الحجر اللبناني وجمال البناء. وعن اللبنانیین، یتغنّى تایلور بالشغف والإصرار لدیھم، ورغبة الشعب القیام بأفضل ما عنده سواء في الأزیاء، أو المعیشة، أو حتى في الكرم. “ھنا… ھناك سباق للوصول إلى القمة، ولیس للقاع”. 
وبعد مرور أكثر من سنتین على غربته، ما الذي یرغب بتقدیمه للبنان؟ كلاعب كرة قدم محترف، وكمدرب أداء للاعبین محترفین في أوروبا، یطمح  بناء أفضل أكادیمیة كرة قدم في الشرق الأوسط، إذ یعتبر أن ھناك طاقات ریاضیة ھائلة في لبنان، “لكن للأسف لا یوجد البنیة التحتیة التي تساعدھم كي یصلوا إلى مستوى الاحتراف الكامل والدوري الأوروبي والعیش من الریاضة”.  
وما الذي تعلمّه في لبنان؟ یقول: تعلمّت لغة جدیدة، فھمت أھمیة المجتمع والتواصل، توسّعت رؤیتي للعالم، وأصبحت لديّ فكرة أوضح عن الأشیاء التي أریدھا في حیاتي الیومیة. ویضیف مبتسماً: تعلمّت كیف أفاوض عند شراء سیارة. 
دیانا: قصة حب سافرت بھا لبنان 
أما دیانا، التي انتقلت منذ بضعة أشھر إلى لبنان، فقد تعلمت أن تكون أكثر مرونة وصبراً، “فالحیاة ھنا أقل تنظیماً من أوروبا، ولا تسیر الأمور دائماً كما ھو مخطط لھا”. 
في عام 2022، كانت تعیش دیانا في ھولندا وتعمل في مجال تصفیف الشعر. ھناك “تعرّفتُ على شریكي، وھو لبناني”. خلال تلك الفترة زارت لبنان عدة مرات، “وكنت أشعر دائماً بشيء خاص تجاه ھذا البلد، یذكرني بأوكرانیا. وكانت انطباعاتي الأولى مزیجاً من الفوضى والسحر!”. 
أما أكثر ما تحبه دیانا في لبنان فھي الثقافة، الناس والضیافة، ومدى ارتباط الحیاة بالعائلة والطعام، “وأحب تجربة الأطباق اللبنانیة الجدیدة… وغالباً ما أقضي الأمسیات مع الأصدقاء أو العائلة على طاولة عشاء طویلة، وھذا شيء نموذجي ھنا”. ھذا بالإضافة إلى الطبیعة: البحر، الجبال، والمناظر الرائعة.