“لوكاس” تُدخِل واشنطن في عصر الطائرات المسيرة الاقتصادية… شاهد النموذج وتجربة أوكرانيا

“لوكاس” تُدخِل واشنطن في عصر الطائرات المسيرة الاقتصادية… شاهد النموذج وتجربة أوكرانيا

باتت المعركة أبعد من صاروخ ودبّابة. إنّها حرب المسيّرات والذكاء الاصطناعي. فبالرغم من سوداوية مشهد النار والدخان والدمار في البلدان التي تدور فيها الحروب والصراعات، تستفيد الدول الأخرى “الحليفة والمتفرّجة” من هذه التجارب، فتُراقب وتحلّل وتُوجّه إمكانياتها تحضيراً للنزاع التالي.

لم تبتعد الولايات المتحدة عن هذا السيناريو، خصوصاً مع رئيسها الطامح لجائزة “نوبل للسلام” دونالد ترامب. تُعطي أقوى دولة في العالم جهداً خاصّاً، من المال والإمكانيات، لتطوير جيشها ودفاعها فالهدف الرئيسي هو التفّوق العسكري قبل كل شيء. وفي هذا السياق أتت مذكرة إدارة ترامب في 10 تموز/يوليو متوعّدة بهيمنة الطائرات العسكرية بدون طيار الأميركية عام 2025.

إلى جانب “كبار العائلة”، مقاتلات الشبح من طراز “F-35” أو قاذفات القنابل من طراز  “B-21″، كشفت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن أحدث المواليد: مسيّرة “لوكاس”. فالرهان بات قاعدة ثابتة: لا فوز بحروب الغد بمقاتلات تقليدية بل بأساطيل من المسيّرات، السريعة والذكية.

تتحضّر ساحات المعركة للابتكار الأميركي، “المقلّد”. فـ”لوكاس” نموذج الطائرة المنافسة لمسيّرة “شاهد-136” الإيرانية الصنع. ولم يستطع الإعلام الإيراني وتحديداً وكالة “مهر”  تفويت تسجيل نقطة لمصلحة طهران فأعلنت أن “الولايات المتحدة نسخت مسيّرة شاهد”.

خلال الكشف عنها في 16 تموز/يوليو في البنتاغون من ضمن 18 نموذجاً أولياً لطائرات بدون طيار أميركية الصنع، اعتبر وزير الدفاع بيت هيغسيث أن “المسيّرات تُعد أكبر ابتكار في ساحة المعركة خلال جيل كامل، ومسؤولة عن معظم الخسائر البشرية هذا العام في أوكرانيا”، وقال: “جيشنا يفتقر إلى الكميات اللازمة من المسيّرات الصغيرة القاتلة”.

 

وزير الدفاع الأميركي يستمع لشرح عن مسيّرة لوكاس. (مواقع)

 

“لوكاس”… ماذا نعرف عنها؟
هذه المسيّرة متميّزة باسمها أولاً، فـ”LUCAS” اختصار لعبارة “low cost uncrewed combat attack system”، أي “نظام هجوم قتالي غير مأهول منخفض التكلفة”، إلّا أن اسمها الأصلي هو “FLM-136”. تنتمي إلى الفئة الثالثة (Group 3) من الطائرات المسيّرة، طوّرتها شركة “SpektreWorks”.

تتطابق مواصفاتها مع “شاهد” الإيرانية، فتتميّز المسيّرة الأميركية بجناحين مثلَثي الشكل يتراوح طولهما بين 2.5 و3 أمتار تقريباً. يسمح تصميمها بتبديل سريع للحمولات وخيارات إطلاق متعدّدة، وفق موقع “ديفانس إكسبرس”، وذلك عن بُعد ما يمنح المشغّلين مرونة عالية في تغيير وظيفة الطائرة حسب الحاجة كالانتقال من الاستطلاع إلى الهجوم.

يمكن لـ”لوكاس” أن تعمل كطائرة مسيّرة أو قتالية، ومصمّمة لتشغيلها بواسطة أفراد غير متخصّصين، ما يمنحها ميزة لوجستية في مناطق الصراع سريعة الحركة. وتدعم الطائرة مصدرين للطاقة (28 فولت و12 فولت) ما يجعلها قابلة لتشغيل مجموعة متنوعّة من الأجهزة الإلكترونية، بحسب الموقع نفسه.

ووفق موقع “ديفانس سيكوريتي آسيا”، “إن نظام لوكاس يتكامل بسلاسة في الشبكة المتداخلة لاتّصالات الأنظمة غير المأهولة متعدّدة المجالات (MUSyC) التابعة للبنتاغون”.

وقد أكّدت الشركة المصنّعة أن “لوكاس نظام موثوق به وفعّال من حيث التكلفة ومصمّم للعمل في ظروف قاسية مع الحد الأدنى من المتطلبات اللوجستية، وأكمل مرحلة الاختبار وهو الآن جاهز للإنتاج بكامل طاقته”.

 

مسيّرة لوكاس. (مواقع)

مسيّرة لوكاس. (مواقع)

 

“تطبيق لا رسالة”
يعتبر الخبير العسكري خليل الحلو أن خطوة واشنطن هي “تطبيق” وليست “رسالة” لإيران بعد أن لاحظت أن الذخائر الأميركية الحالية مرتفعة الثمن. فالذخيرة التي تلقيها على هدف تساوي سعر الهدف نفسه بأضعاف. فمثلاً صاروخ الكاتيوشا الذي يبلغ سعره 600$ تعترضه بصواريخ من منظومة القبّة الحديدية البالغ سعره 50 ألف دولار.

ويضيف، في حديث خاص لـ”النهار”، أن الأميركيين لاحظوا أنّهم لا يسلكون مساراً صحيحاً بالرغم من فعاليّة أسلحتهم وذكائها إلّا أن كلفتها عالية جدّاً، بمقابل أن الإيرانيين يصنّعون مسيّرتهم بـ20 ألف دولار وفق ما يعلنون”.

ولفت إلى أن الأميركيين لم يستنسخوا المسيّرة كما هي، فالتقنيات موجودة لديهم كمحرّك “لوكاس” وأجهزتها وبالتأكيد متطوّرة أكثر، وتتراوح كلفتها حوالى 100 ألف دولار، ولجأوا إلى هذا الخيار لتخفيف الكلفة وبعد تبيان فعالية المسيّرة الإيرانية.

ويشرح الحلو: “تستطيع المسيّرة لوكاس أن تحلّق على ارتفاع 5500 متر وهذا ما يجعل كلفة الوقود منخفضة أيضاً، كما أن الرادار لا يلتقطها بسهولة ويصعب اعتراضها. صنع الأميركيون الذخيرة الجوّالة كالمسيّرة الإيرانية إلّا أن في الوقت نفسه يمكن تجهيز المسيّرة الأميركية كمحطّة وسيطة، وبذلك يستطيعون مثلاً إرسال سرب من المسيّرات لضرب أهداف بينها مسيّرة أو أكثر  تلعب دور الوسيط بين مشغّلها والمسيّرات ما يزيد فعاليّتها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن إطلاق هذا النوع من المسيّرات من منصّات ثابتة أو من آليات عسكرية أو مطارات ويمكن حتى تزويدها بدواليب، خلافاً لمسيّرة شاهد. فترك الأميركيون في لوكاس إمكانية لاستخدامها أيضاَ في مهمّات استطلاعية فتعود بعد إطلاقها إلى منصّتها”.

ويستطرد: “تزن لوكاس 600 كلغ ومحرّكها يعمل على الوقود كمحرّك السيّارات، وهو مماثل لمسيّرة شاهد. هذا ما يسمح للأميركيين بتكلفة قليلة أن يستخدموا عشرات المسيّرات خاصة في مسارح عمليّات خارج الشرق الأوسط، كالصين ومنطقة آسيا وشرقها. ففي حال حدوث صراع، تستطيع الولايات المتحدة تزويد تايوان بهذه المسيّرة”.

 

مسيّرة شاهد-136 الإيرانية. (مواقع)

مسيّرة شاهد-136 الإيرانية. (مواقع)

 

“عصر المسيّرات”
ويقول: “بأمر من ترامب، تم توسيع العتاد الأميركي المسيّر بين ما يتراوح سعره حوالى 140 مليون دولار للمسيّرة وبين نموذج لوكاس. فإذاً الولايات المتحدة دخلت عصر المسيّرات وكان أبرز الدوافع وراء هذه الخطوة من بابها الواسع تجربة حرب أوكرانيا والحرب بين إسرائيل وإيران. فمسارح هذه العمليّات دفعت الأميركيين إلى تطوير أسلحتهم للتكيّف والتعامل مع الواقع الجديد، بمسيّرات رخيصة من قبل الأعداء المحتملين”.

وبما يخص الصين، يرى العميد المتقاعد في الجيش اللبناني أن هذه المسيّرة رسالة واضحة لبكين مع العلم أن المصدّر الأول للمسيّرات في العالم هي الصين لكلفتها المنخفضة. ويمكن التأكيد أن الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية وكل الأعداء المحتملين لواشنطن تراقب الوضع عن كثب لبحث الخطوات المقبلة أمام هذا الوضع الجديد لمواجهة هذه المسيّرات”، وقال: “إن البلد الأكثر مواجهة لهذا النوع من المسيّرات هو أوكرانيا، وبما أنّها حليفة الولايات المتحدة، تستفيد الأخيرة من هذه التجربة لتحسين أداء مسيّرة لوكاس”.

ومع استمرار التوتّر بين إيران والولايات المتحدة بعد “حرب حزيران” التي شاركت المقاتلات الأميركية فيها وضربت 3 مواقع نووية، ومع كثرة التحاليل عن حرب مباشرة بين واشنطن وطهران مستقبلاً، لفت الحلو إلى أن “المواجهة لا تتم بسلاح واحد. وكل مكان هدف يتطلّب نوع محدّد من الذخيرة. فلمسيّرة لوكاس نوع مواجهة معيّنة قادرة واشنطن على استخدامها في الوقت المناسب”.