إقامة السيطرة في الضفة: بداية نحو الضم… ونهاية لطموحات فلسطين

إقامة السيطرة في الضفة: بداية نحو الضم… ونهاية لطموحات فلسطين

بعد مصادقة الكنيست الإسرائيلي على مقترح إعلان “فرض السيادة الإسرائيلية” على الضفة الغربية المحتلة وغور الأردن، بأغلبية 71 صوتاً مقابل معارضة 13 فقط، يتضح أن هذا المقترح، رغم كونه رمزياً وغير ملزم قانونياً، إلا أنه يحمل بُعداً سياسياً ويشكّل برنامج عمل للائتلاف الحاكم في إسرائيل، ويعكس رؤيته الاستراتيجية لما بعد عودة الكنيست من عطلته الصيفية في تشرين الأول/أكتوبر المقبل.

ينظر إلى هذا المقترح باعتباره خطوة متقدمة نحو ضم فعلي للضفة الغربية والمناطق الواقعة غرب نهر الأردن، أي الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967. فحتى الآن، كانت الضفة الغربية تُدار عسكرياً من قبل قائد المنطقة الوسطى، ما أتاح لإسرائيل الاستمرار في “إدارة” هذه الأراضي وتوسيع الاستيطان فيها أمام المجتمع الدولي.

 


أما اليوم، فإن “فرض السيادة” أو “الضم” بمصطلحات اليمين الإسرائيلي، يعني عملياً نقل إدارة الأرض المحتلة من المؤسسة العسكرية إلى الحكومة الإسرائيلية والنظام القضائي المدني، وهو ما يشكّل إلغاءً صريحاً لفكرة التقسيم التي نصت عليها اتفاقية أوسلو، والتي قسمت الضفة الغربية إلى:


منطقة (أ): 21% من الأراضي، تحت سيطرة فلسطينية كاملة.
منطقة (ب): 18%، تحت سيطرة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية.
منطقة (ج): أكثر من 61%، تحت سيطرة إسرائيلية تامة.


بهذا الإجراء، تُقوّض نهائياً إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة. إسرائيل تسابق الزمن منذ سنوات لتحقيق هذه النتيجة، ولذلك جاء توقيت هذا الإعلان ليحمل طابعاً تكتيكياً ورمزياً، خاصة للائتلاف الحاكم والمعارضة على حد سواء.

ما الفارق بين فرض السيادة والضم؟

تُظهر هذه التحركات تصعيداً سياسياً لا يقل خطورة عن التصعيد العسكري، وتُمهّد تدريجياً لفرض القانون الإسرائيلي المدني على مستوطني الضفة، بل وعلى السكان الفلسطينيين أنفسهم، عبر نقلهم من سلطة الحاكم العسكري ووزارة الدفاع (التي يشرف عليها الوزير بتساليئيل سموتريتش) إلى سلطة القضاء المدني الإسرائيلي، وهذا ما يعدّ فرضاً للسيادة. علماً أن هذه الخطوة تُعد انتهاكاً للقانون الدولي، الذي يعتبر المستوطنات غير شرعية لأنها مقامة على أراضٍ محتلة، لكن إسرائيل لم تعد تكترث لذلك.

الضم، من جهة أخرى، هو إجراء سياسي – قانوني يُطبَّق عادة على أراضٍ احتُلت عسكرياً، ويتطلب مصادقة الكنيست من خلال تمرير قوانين تفرض القانون الإسرائيلي على الأراضي المعنية، ومن ثم تطبيق السيادة فعلياً عبر الإجراءات التنفيذية.

 


المقترح الإسرائيلي الأخير يؤكد على “الحق التاريخي لليهود في أرض إسرائيل”، ويعتبر الضفة الغربية (أو “يهودا والسامرة” حسب التسمية التوراتية) جزءاً لا يتجزأ من إسرائيل، بل يعتبر أن إقامة دولة فلسطينية تمثّل “خطراً وجودياً” على إسرائيل.

 

نهاية الحلم الفلسطيني

يرى محللون إسرائيليون أن هذا المقترح يمهّد فعلياً للضم الكامل، ويوسّع نطاق السيادة الإسرائيلية في الضفة، ويقوّض السلطة الفلسطينية، تمهيداً لإقامة كيانات بديلة كـ”روابط القرى” أو “الإمارات السبع”، وخصوصاً أن البنية التحتية جاهزة: من إنشاء أكثر من 1000 بوابة وحاجز، إلى جدران الفصل العنصري، إلى السيطرة على الأراضي الزراعية والمياه والموارد الطبيعية ومنع الفلسطينيين من استخدامها.

فرض السيادة عملياً بدأ قبل الحرب المستمرة على غزة منذ 22 شهراً، من خلال قرارات وتشريعات تشرعن الاستيطان وتوسع وحداته، إضافة إلى اعتماد الحكومة على ميليشيات المستوطنين، مثل “فتيان التلال”، لترهيب السكان الفلسطينيين.


كذلك، فإنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كانت قد ساهمت في هذا المسار عبر “صفقة القرن”، التي طرحت ضم نحو 30% من الضفة الغربية، بما في ذلك المستوطنات وغور الأردن والقدس الشرقية، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

 

 

التأثير المباشر على الفلسطينيين

وفي هذا السياق، يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي والاستيطان في مركز “مدار” للدراسات الإسرائيلية الدكتور وليد حباس، لـ”النهار”، إن الكنيست أقر في تموز/يوليو 2024 إسقاط “حل الدولتين” من أجندته السياسية.


ويوضح حباس أن الضم يُعد مقدمة لرؤية اليمين الإسرائيلي حيال “حسم الصراع”، وفق تعبير سموتريتش، ويعني ذلك أن الفلسطينيين لن يُمنحوا الجنسية الإسرائيلية، ولن يُسمح لهم بتقرير مصيرهم أو إقامة كيان سياسي، مما يُمهّد للترحيل القسري (الترانسفير) أو الحبس داخل “غيتوات” محصنة.
ويضيف، مستشهداً بتصريح للنائبة اليمينية ليمور سان هار-ميلخ، إحدى المبادِرات للمقترح: “على الفلسطينيين أن يفهموا، لن تكون هناك دولة فلسطينية، لا اليوم ولا غداً، ولا بأي شكل من الأشكال. لا حكم ذاتي، لا كونفيدرالية، لا علم، لا نشيد وطني، لا شيء رمزياً حتى.”.


ويؤكد حباس أن التحولات الميدانية التي تجري منذ نهاية عام 2022 أكثر خطورة مما يظنه البعض، وتشمل: بناء أكثر من 150 مستوطنة جديدة (كرافانية أو زراعية)، تصاعد إرهاب المستوطنين، أكبر موجات مصادرة أراضٍ منذ اتفاق أوسلو، إحكام الحصار على المدن والقرى الفلسطينية، وتدمير منهجي للاقتصاد الفلسطيني ضمن استراتيجية تهدف إلى تهجير السكان.