تجدد المطالب الشعبية في إيران… أمام الجمهورية الإسلامية خياران متاحان

تجدد المطالب الشعبية في إيران… أمام الجمهورية الإسلامية خياران متاحان

تستند شرعية جميع الحكومات إلى وظيفتين رئيسيتين: الأولى “الكفاءة في خلق الرفاه العام”، والثانية “إقامة النظام وحفظ أمن المواطنين”، خاصة في مواجهة العدوان الخارجي.  

 

يؤدي الشعب في جميع البلدان دوره في الحكم من خلال “الالتزام بالقانون” و”دفع الضرائب”، ويتوقع من الحكومات أن تقوم بواجباتها بأفضل طريقة وبأعلى مستويات الكفاءة.  

 

مع اندلاع الحروب، حتى لو كانت قصيرة الأمد، تعيد الأمم النظر في واجباتها وحقوقها المتبادلة مع الحكومة، ما يؤدي إلى ارتفاع المطالب والتوقعات. ذلك لأنه لا يمكن لأي حكومة، في أي حرب، أن تدافع عن السلامة الإقليمية والمجال الجوي والاستقلال دون دعم الشعب ومقاومته ووحدته الوطنية. 

 

 

 

من هذا المنظور النظري، يمكن القول إنه بعد مرور شهر على العدوان  الإسرائيلي  والأميركي على إيران، الذي استمر 12 يوماً، أصبح من الواضح تقريباً وبشكل قاطع، بناءً على الأدلة المتوافرة، أن هذا الهجوم العسكري، إلى جانب أهدافه العسكرية والنووية، كان يرمي إلى هدف أكبر وأهم، وهو إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية.  

 

في الأيام الأولى للهجوم، وبعد الضربات الجوية الإسرائيلية الشديدة على الدفاعات الجوية الإيرانية، واغتيال كبار القادة العسكريين الإيرانيين، وأخيراً قصف جلسة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني ومبنى الإذاعة والتلفزيون المركزي، بل وصل الأمر إلى التهديد باغتيال قائد الجمهورية الإسلامية، كان يتعين على إسرائيل اتخاذ خطوة إضافية لإسقاط النظام، وهي دفع الشعب المعترض إلى الشوارع ضد النظام السياسي.  

 

هذا الشعب، وفقاً لتحليلات موثوقة ومدعومة بالأدلة، كان لديه في السنوات الأخيرة العديد من أسباب الاستياء من أداء الحكومة. ويبدو أن إسرائيل أعدت خلايا نائمة لهذه المرحلة في طهران، لكن لم تُتح لها فرصة الدخول وأداء دورها. لكن في الواقع، كانت تقديرات الموساد والمؤسسات الإسرائيلية خاطئة تماماً.  

 

لم يقم الشعب الإيراني، رغم استيائه، بالتمرد ضد الجمهورية الإسلامية، بل إن العديد من المعترضين والناقمين، وحفاظاً على الوطن من شر العدو الغازي، اتحدوا ضد إسرائيل، مؤجلين احتجاجاتهم ومطالبهم مؤقتاً، مفصولين عن العدو. فالشعب المعترض لا يريد الفوضى وانعدام الأمن ولا الانهيار، بل يطالب بالرفاه والحرية والكرامة والاستقلال.  

 

لم يكن هذا السلوك الذكي متوقعاً في تحليلات غرف التفكير الإسرائيلية والأميركية، التي كانت تتوقع أن إضعاف النظام الدفاعي والأمني والشرطي في إيران بالهجمات العسكرية سيمهد الطريق لخروج الشعب المعترض إلى الساحة، وبالتالي إسقاط الجمهورية الإسلامية بقيادة الشعب.  

 

لذلك، يمكن القول إنه على الرغم من كل الجهود التي بذلتها القوات المسلحة في الدفاع عن إيران، لم يوازِ المقاومة الوطنية للشعب الإيراني أي عامل آخر في صدّ العدوان الإسرائيلي.

 

مطالبات وتغيير

على هذا الأساس، وبعد انتهاء الحرب مباشرة، بدأ الشعب، الذي يدرك دوره الحاسم، بحق وبشكل مشروع، في دخول ساحة المطالبة والتغيير، ليس فقط من أجل حياة أفضل، بل أيضاً من أجل بناء بلد أقوى يقلل من قابليته للضرر أمام التهديدات الخارجية.  

 

تشمل هذه المطالبة طيفاً واسعاً، من المطالب العاجلة والعملية إلى الطلبات طويلة الأمد والطموحة، بل وحتى الطوباوية.  

 

على أي حال، هذه المطالبة في إيران بارزة وواسعة النطاق لدرجة أنها تظهر حتى بين المسؤولين والشخصيات السياسية القريبة من الحكومة. على سبيل المثال، كتب علي أكبر ولايتي، مستشار قائد الجمهورية الإسلامية، في تغريدة لاقت صدى كبيراً في إيران إن “تغيير بعض السياسات الاجتماعية للسلطة وجعل رضا الشعب محورياً أمر ضروري. لقد أثبت الشعب نفسه في الحرب، والآن جاء دور المسؤولين. الأساليب البالية لم تعد كافية لتلبية احتياجات المجتمع بعد الحرب”.  

 

كما أشار عزت الله ضرغامي، الرئيس السابق للإذاعة والتلفزيون، في موقف جديد، إلى الحركة الاجتماعية المناهضة للحجاب الإجباري في عام 2022 في إيران، والتي وصفها بعض المتشددين بحركة لإسقاط الجمهورية الإسلامية، وطالبوا بقمعها، قائلاً: “الآن، مستوى عدم الالتزام بالحجاب تضاعف عشرة أضعاف مقارنة بما كان عليه قبل ثلاث سنوات، لكننا أقوى بكثير من الماضي، وهذا يظهر أن تحليل البعض في ذلك العام كان خاطئاً تماماً”.
كما أعلن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في تقديره للسلوك الواعي للشعب الإيراني في اللحظات الحرجة، أن أداء الشعب في الحرب التي استمرت 12 يوماً يضاعف مسؤولية الحكومة في متابعة مطالب الشعب، مضيفاً: “نحن اليوم مستعدون، بناءً على العدل والإنصاف، للحوار حتى مع المعارضة، لأن حل مشكلات البلاد يتطلب الحوار وليس المواجهة”.  

في الوقت نفسه، تنضم المعارضة الداخلية إلى هذه النداءات. فقد أشار مير حسين موسوي، رئيس الوزراء الإيراني السابق، الذي قضى 15 عاماً في الإقامة الجبرية، في بيان مقتضب إلى هذه المسألة بالذات، وكتب:  

“للشعب توقعات من الحكومة بعد كل ما حدث، وترك هذه التوقعات دون إجابة سيُسعد الأعداء. على المدى القصير، إجراءات سريعة ورمزية مثل إطلاق سراح السجناء السياسيين وتغيير واضح في سياسات الإعلام الوطني هي أقل التوقعات. لقد أظهرت تجربة الحرب التي استمرت 12 يوماً أن ضمان خلاص البلاد يكمن في احترام حق تقرير المصير لجميع المواطنين، وأن الهيكل الحالي للنظام لا يمثل جميع الإيرانيين. إن إجراء استفتاء لتشكيل مجلس تأسيسي للدستور سيمهد الطريق لتحقيق حق الشعب في تقرير مصيره، ويُحبط تدخل أعداء هذا الوطن في شؤونه”.

 

وفي آخر تصريح له، كتب مصطفى تاجزاده، السياسي الإيراني الذي يمضي سنوات طويلة في السجن، وهو من المنتقدين الشديدين لقائد الجمهورية الإسلامية: “تراكم المشكلات، وغياب الرؤية، وكثرة الاستياء، وتراجع الشرعية السياسية جعلت الحكومة الإسرائيلية جريئة لدرجة أنها لم تعد ترى أحلاماً سيئة للجمهورية الإسلامية فحسب، بل لإيران ككل، مثل إثارة الفوضى، وإشعال حرب أهلية، وتغيير خريطة الشرق الأوسط. في مثل هذه الظروف الحرجة، ليس أمام المرشد الأعلى علي خامنئي خيار سوى القبول بإجراء تغييرات جذرية تتماشى مع المطالب الوطنية، بما في ذلك تشكيل مجلس تأسيسي من خلال انتخابات حرة وعادلة تماماً، لتغيير الدستور بطريقة سلمية ومدنية”.

هناك العديد من هذه التصريحات في إيران، سواء من شخصيات رسمية ومعروفة أو من الشعب، والتي تنعكس بشكل رئيسي في وسائل التواصل الاجتماعي. بالطبع، هناك أقلية صغيرة في المجتمع الإيراني تطلق على هذه المطالبة اسم “المشاركة في السلطة”، وتعارض أي تغيير أو إصلاح في سياسات الحكومة، وتصف الذين يطرحون هذه المطالب، على أي مستوى، بالمتعاونين مع العدو.  

في الختام، يمكن القول إنه في ظل استمرار التهديدات العسكرية الأميركية والإسرائيلية ضد إيران، وتفعيل ثلاث دول أوروبية لآلية العودة إلى العقوبات، فإن هناك خيارين أمام الجمهورية الإسلامية في الأسابيع والأشهر المقبلة:  
الخيار الأول هو الاستماع إلى جميع مطالب الشعب وتصنيفها، ثم تحديد أولوياتها، وتغيير بعض السياسات واتخاذ قرارات صعبة بما يتماشى مع المصالح الوطنية، بما يضمن رضا غالبية الشعب. في هذه الحالة، سيبقى  الشعب، مع شعور الوحدة مع الحكومة وزيادة الانتماء للوطن، داعماً للبلاد في مواجهة التهديدات، كما فعل في الحرب التي استمرت 12 يوماً.  

 

أما الخيار الثاني فهو المقاومة العنيدة ضد التغييرات والمطالب الشعبية، وإعطاء الأولوية لمطالب الأقلية التي تشكل نحو 10%، والتي تقدم نفسها كداعمة متشددة للجمهورية الإسلامية، والتي تمتلك، بالطبع، إمكانيات ووسائل إعلام واسعة. في هذه الحالة، ستعمل الحكومة، سواء عن قصد أو غير قصد، على تعميق الانقسام الاجتماعي، كما حدث في السنوات الماضية، ولن يكون هناك أي ضمان بأن غالبية المجتمع ستظل صبورة ومتفهمة وتدعم الحكومة في مواجهة التهديدات الخارجية أو الضغوط الاقتصادية المتزايدة، ما سيحبط مؤامرات العدو.