خلق الانقسامات الطائفية وتعزيز السلام | النهار

خلق الانقسامات الطائفية وتعزيز السلام | النهار

عبدالله الغضوي*

أصيب العديد من السوريين والعرب ومن داعمي الإدارة السورية الجديدة باليأس بعد أحداث السويداء وما تبعها من تداخل طائفي وفئوي واشتباك إقليمي، جعل من إسرائيل فاعلاً ولاعباً رئيسياً على الرقعة السورية.

 

توحي سلسلة الأحداث، من الساحل في 6 آذار/مارس، إلى تفجير كنيسة مار الياس بدمشق في 26 حزيران/يونيو، إلى ما جرى في السويداء في 13 تموز/يوليو، بمسلسل جديد من التوتر الطائفي في سوريا، وساهمت فئة ممتعضة مسبقاً من حكومة الرئيس أحمد الشرع في توسيع دائرة الخطر الطائفي على المجتمع السوري. لكن هذه الصورة، في الحقيقة، ليست المشهد السوري الحقيقي، والسبب أن الواقع الافتراضي هو من تحول إلى حقيقة. على الأرض، يبدو المشهد مختلفاً، ولا أستطيع القول إنه أشد تفاؤلاً. لكن، بكل تأكيد، الحقيقة ليست في ما نراه.

في الدول الممزقة اجتماعياً، يسهل إشعال الأوراق الطائفية، لا سيما أن الحقبة الديكتاتورية كانت جزءاً من صناعة الطائفية الكامنة. وفي العديد من حوارات السلم الأهلي التي بدأ فيها مركز تقدم للحوار والتنمية وبناء السلام في سوريا منذ بداية انهيار النظام السابق، كمنت المفارقة بين ما قبل الحوار وما بعده: في بداية كل حوار، كانت المكونات الطائفية السورية متشنجة وغير قابلة للانصهار، لكن سرعان ما يذوب هذا التشنج في الحوارات المباشرة بين السنة والعلويين والدروز، بل سرعان ما ينتج توافق على الحالة السورية، وعلى مبدأ المواطنة. وسرعان ما ينهار هذا الشكل المركب والمتناقض في الحالة الطائفية بعد انتهاء المسار، وهذا يعكس حال الهشاشة في إرادة السلام والتعايش.

حين زار الشرع مدينتي طرطوس واللاذقية، لم يقل حجم التفاعل العلوي عن حجم التفاعل السني، بل كانت الرؤية العلوية الناضجة تقرأ في هذه الزيارة طوق نجاة للعبور إلى ما بعد الطائفية، وغيرت مزاج الوسط العلوي إلى حد كبير. إلا أن هذا المزاج ينهار سريعاً بسبب تجاوز أو انتهاك فردي!

نعم، الهشاشة تصيب الإيمان بفكرة المواطنة على المستوى المكوناتي بشكله الطائفي والعرقي، والواقع أن المجتمع السوري هو بطبيعة الحال مجتمع قائم على السلطوية، بمعنى أن السلطة الحاكمة في الطوائف والعرقيات هي من يوجه الجمهور. ففي 9 آذار/مارس الماضي، كانت شحنات الكراهية تبلغ أشدها بين الكرد والعرب في ظل ممانعة “الإدارة الذاتية” عن القبول بحكومة دمشق. وبعد يوم واحد من توقيع الشرع ومظلوم عبدي الاتفاق بينهما، ظهرت كمية كبيرة من التسامح الكردي – العربي وبرز تاريخ الأخوة العربية – الكردية التي غابت عن السرديات السورية، قبل يوم واحد فقط من توقيع الاتفاق. 

يمكن القول إن الحالة السلطوية المتحكمة بتوجيه وعي المجتمع وهشاشة فكرة المواطنة والتعايش هما العاملان الرئيسان اللذان يزعزعان البنية الاجتماعية السورية. وإن لم يتم التحكم بهذين العاملين، بموازاة برامج توعوية مصحوبة بإرادة سياسية، لا يمكن تجاوز الحالة الطائفية في سوريا.

المفارقة أن من يصنع الطائفية هي قوى خاسرة سياسياً واجتماعياً وخرجت من المشهد، لكن من يصنع السلام هي الدولة بحد ذاتها، ويساعدها في ذلك المجتمع المدني، ولكن من دون القرار والإرادة من الدولة لا يمكن صناعة السلام، ومن السهل صناعة الطائفية التي لا تحتاج سوى إلى جهاز ذكي وقلة وعي وهي أدوات سهلة وبسيطة، بينما السلام يحتاج إلى عقل دولة عميق يؤمن أن مسار السلام يحتاج إلى كثير من التنازلات والمساومات وربما خسارة مكاسب سياسية، لكنه وصفة تدوم لفترة طويلة وتبني دولة سلام لا دولة طوائف “كان على رأسها الطير”، تنهار من أول حراك اجتماعي.

*كاتب وصحافي سوري، مدير مركز تقدم للحوار والتنمية وبناء السلام