لشبونة والرباط: قضية الصحراء المغربية تُعزز أبعاد جديدة للعلاقات الثنائية

لشبونة والرباط: قضية الصحراء المغربية تُعزز أبعاد جديدة للعلاقات الثنائية

يمثل إعلان البرتغال دعمها الصريح لمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء تحت السيادة المغربية، لحظة ذات دلالات عميقة في مسار النزاع المفتعل حول هذا الإقليم، ونقلة نوعية في خارطة المواقف الأوروبية من هذه القضية التي طال أمدها. هذا التطور لا يمكن قراءته في سياقه الآني فقط، بل يستدعي العودة إلى التاريخ المشترك بين المغرب والبرتغال، وكذلك إلى التحولات الجيوسياسية الراهنة في منطقة غرب المتوسط.

لقد قدم المغرب، منذ سنة 2007، مقترح الحكم الذاتي كحل واقعي وعملي للنزاع حول الصحراء، حيث يمنح هذا المقترح لسكان الأقاليم الجنوبية تدبير شؤونهم المحلية في إطار سيادة المغرب ووحدته الترابية. وقد حظي هذا المقترح بإشادة واسعة من قِبل المنتظم الدولي، واعتبرته قوى عالمية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا مقترحاً جاداً وذا مصداقية. واليوم، بانضمام البرتغال إلى هذا التوجه، فإن المغرب يحقق تقدماً استراتيجياً على صعيد تأمين دعم أوروبي متزايد لمبادراته السلمية.

تاريخياً، ليست البرتغال دولة غريبة عن الجغرافيا المغربية، ولا هي حديثة العهد في احتكاكها بالمجال المغربي. فمنذ القرن الخامس عشر، خاضت البرتغال غمار التوسع البحري فاستقرت في عدد من المدن الساحلية المغربية مثل سبتة وأصيلة ومازاغان (الجديدة) وموكادور (الصويرة)، في إطار منافسة استعمارية شرسة مع جارتها إسبانيا. تمثل معركة وادي المخازن (1578م) والتي هزم فيها الجيش المغربي الجيشان البرتغالي والإسباني، عاملاً رئيسياً في التغييرات الجوهرية التي عرفها النظام في البرتغال والتي انتهت بإخراج البرتغال كلياً من خريطة القوى في غرب المتوسط والوقوع تحت الهيمنة الإسبانية. هذا الحضور التاريخي للبرتغال لا يعني فقط الجانب العسكري، بل يدل أيضاً على معرفة دقيقة وموثقة بالمنطقة من حيث البنية القبلية والجغرافية والاجتماعية، ما يجعل الموقف البرتغالي اليوم من مغربية الصحراء، ليس موقفاً عابراً أو خاضعاً لحسابات سياسية آنية، بل نابعاً من إدراك تاريخي عميق بخصوص هوية الصحراء المغربية.

أهمية الاعتراف البرتغالي لا تكمن فقط في رمزيته التاريخية، بل تتجلى أيضاً في البعد الإقليمي الأوروبي، إذ يشكل هذا الموقف امتداداً للموقف الإسباني الذي اعترف، في آذار/مارس 2022، بسيادة المغرب على صحرائه ودعم بشكل صريح مقترح الحكم الذاتي. وهكذا يكتمل عقد شبه الجزيرة الإيبيرية – البرتغال وإسبانيا – باعترافهما معاً بحق المغرب في تدبير نزاعه المشروع حول الصحراء بطريقة سلمية وواقعية. وهذا التحول في المواقف لا يُعزل عن التغييرات العميقة في أولويات السياسة الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي، والتي بدأت تميل أكثر نحو دعم الاستقرار والتنمية في جنوب البحر المتوسط بدل الاستمرار في مقاربات غامضة أو مترددة.

علاوة على ذلك، فإن البرتغال تعتبر فاعلاً مهماً في المنظومة الأوروبية، وعضواً نشطاً في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ولها تقاليد ديبلوماسية عريقة وذات مصداقية. وبالتالي، فإن انضمامها إلى صف الدول الداعمة لمقترح الحكم الذاتي يعزز الموقف المغربي ويمنحه زخماً إضافياً في المنتديات الدولية، وخاصة على مستوى مجلس الأمن حيث يجري النقاش سنوياً حول تطورات النزاع.

لا يمكن إغفال البعد الاقتصادي في هذا التحول، فالعلاقات المغربية-البرتغالية شهدت في السنوات الأخيرة تطوراً لافتاً، سواء على مستوى التبادل التجاري أو التعاون في مجالات الطاقة المتجددة والربط البحري ومشاريع البنية التحتية. إن دعم البرتغال لمبادرة الحكم الذاتي يفتح المجال أمام تعزيز هذا التعاون، خصوصاً في إطار مبادرات الربط بين أوروبا وأفريقيا، حيث يلعب المغرب دوراً محورياً بفضل موقعه الجغرافي واستقراره السياسي.

كما أن هذا الاعتراف يبعث برسالة واضحة إلى الأطراف الأخرى التي لا تزال تلتزم بمواقف مترددة أو غير واضحة: إن الاستمرار في تجاهل الواقع الإقليمي الجديد قد يعني العزلة عن مسار دولي يتجه بقوة نحو دعم الحلول الواقعية بعيداً عن الطروحات الانفصالية التي عفا عنها الزمن.

يمكن القول إن الاعتراف البرتغالي بمغربية الصحراء ودعمه لمقترح الحكم الذاتي لا يشكل مجرد موقف ديبلوماسي، بل هو ثمرة لعلاقات تاريخية عميقة، ولتحول استراتيجي في تصور أوروبا لعلاقاتها بجوارها الجنوبي. إنه انتصار للديبلوماسية المغربية التي اشتغلت بصمت وواقعية على بناء شبكة دعم دولية، وانتصار لمقاربة تنموية تُعلي من شأن الحلول السلمية والمبادرات الذاتية بدل الجمود والمزايدات.