الإطار المالي لاستراتيجيات الإصلاح المتوسطة الأجل في لبنان (2026-2029): هل هو مجرد إجراء تقني أم بداية لإصلاح مالي شامل؟

الإطار المالي لاستراتيجيات الإصلاح المتوسطة الأجل في لبنان (2026-2029): هل هو مجرد إجراء تقني أم بداية لإصلاح مالي شامل؟

ميلاد رفقة

 

 

 

في تموز\يوليو 2025، أعلن وزير المال اللبناني ياسين جابر، بدء العمل بإعداد الإطار المالي المتوسط الأجل للمرحلة 2026-2029. ويسعى هذا الجهد إلى إدخال نهج جديد في إدارة المالية العامة من خلال إشراك الوزارات والهيئات الحكومية في وضع خطط مالية تتعلق بأهداف إنمائية محددة. ويمكن أن تُمثل هذه المبادرة نقطة تحول مهمة في أساليب التخطيط المالي، إلا أن نجاحها يعتمد على جدية تطبيقها وقدرة الدولة على تجاوز العقبات الهيكلية القائمة.

 

 

 

أولاً: أهمية الإطار المالي المتوسط الأجل في السياق اللبناني
تُعد الأطر المالية المتوسطة الأجل أدوات تخطيط استراتيجي تُستخدم في العديد من الدول التي تهدف إلى تحقيق ضبط مالي حكيم واستدامة في المالية العامة. تُمكّن هذه الأطر من ربط السياسات المالية بالأهداف الاقتصادية والاجتماعية من خلال تقديرات إيرادات الدولة، بالإضافة إلى النفقات والعجز، مما يُساعد على تحسين كفاءة تخصيص الموارد.
بالنسبة للبنان، الذي عانى طويلاً من سوء الإدارة المالية، وتضخم العجز، وغياب الخطط المتوسطة أو الطويلة الأجل، تُمثل هذه الورشة فرصةً لإدخال الإصلاح الهيكلي في السياسة المالية.

ثانياً: تحليل المبادرة من منظور متخصص

1.
اعتماد نهج تشاركي في التخطيط المالي
طلب وزير المال من الوزارات عرض سياساتها المستقبلية وتحليل آثارها المالية والاجتماعية. يُعد هذا نهجاً تشاركياً رائداً. وبصفتي خبيراً اقتصادياً، أعتقد أن هذا النهج يُساعد على تحقيق التنسيق بين الوزارات من جهة، والاتساق بين التخطيط والتمويل والتنفيذ من جهة أخرى.

2.
دمج معايير الاقتصاد الكلي في الموازنة
يُعد ربط السياسات المالية بعوامل الاقتصاد الكلي، مثل التضخم والنمو وميزان المدفوعات وسعر الصرف، أمراً بالغ الأهمية. غالباً ما افتقرت الموازنات التقليدية في لبنان إلى تقييم شامل، مما أدى إلى اتخاذ قرارات إنفاق غير مبنية على بيانات علمية.

ثالثاً: التحديات التي قد تعوق التقدم
من منظور تحليلي خاص، تتمثل التحديات الرئيسية في:
نقص الخبرة الفنية داخل الوزارات، مما يحد من قدرتها على إجراء دراسات جدوى موثوقة. اللامركزية السياسية الطائفية تُضعف التنسيق المؤسسي وتمنع أي سياسة إصلاحية من تحقيق أهدافها.
تضخم السوق الناتج من عدم وجود سياسة سعر صرف مستقرة، مما يُعقّد التنبؤ المالي ويؤدي إلى اقتصاد هش.
انعدام الاستمرارية، إذ غالباً ما تتجاهل الحكومات المتعاقبة الخطط التي وضعتها الحكومات السابقة.

رابعاً: ما الذي ينبغي القيام به بالتوازي مع هذه الورشة؟
يتطلب نجاح هذا الإطار:

إنشاء وحدة مستقلة داخل وزارة المال لصياغة الإطار وتنفيذه، بدعم فني من خبراء محليين ودوليين.

إصدار قانون يُلزم استخدام الإطار المالي المتوسط الأجل كأساس لإعداد الموازنة العامة.

تعزيز دور ديوان المحاسبة ولجان الرقابة البرلمانية لضمان الشفافية ومراقبة النتائج بدلاً من التركيز فقط على المدخلات.

دمج الإصلاح الضريبي، وإعادة هيكلة القطاع العام، ومعالجة الدين العام ضمن رؤية شاملة لا جزئية.

خامساً: رؤية تحليلية لمستقبل الإصلاح المالي في لبنان

إذا اعتُبر الإطار المالي المتوسط الأجل أداةً حقيقيةً لإعادة تشكيل النظام المالي، وليس نشاطاً شكلياً لتحسين صورته أمام المؤسسات الدولية، فقد تُمثل هذه الورشة بداية مرحلة جديدة في إدارة المالية العامة. ومع ذلك، في ظل غياب الإرادة السياسية والقدرة التنفيذية، ستبقى هذه المبادرة مجرد حلقة في سلسلة إصلاحات غير مكتملة.
الخلاصة
الإصلاح المالي في لبنان ضرورةٌ وليست خياراً. ويمثل الإطار المالي المتوسط الأجل النهج المنهجي لتحقيق هذا الإصلاح. ومع ذلك، فإن الفرق بين نجاح الخطة وفشلها لا يعتمد على الإجراءات الورقية فحسب، بل أيضاً على كيفية التنفيذ والمساءلة والتزام الدولة نهجاً اقتصادياً حديثاً.