الذكاء الصناعي وتطور البحث التوليدي… ما هي التغييرات الحقيقية؟

الذكاء الصناعي وتطور البحث التوليدي… ما هي التغييرات الحقيقية؟

طريقة الوصول إلى المعلومة لم تعد كما كانت. البحث الرقمي الذي اعتمد لعقود على الفهرسة وترتيب الروابط يواجه اليوم نموذجاً مختلفاً جذرياً. الذكاء الاصطناعي التوليدي لا يعرض النتائج، بل يصنع إجابات مبنية على فهم المحتوى وتحليله. هذا التحول يغيّر العلاقة بين المنتجين والمستخدمين، ويعيد رسم معايير الثقة والمعرفة في الفضاء الرقمي.

 

الدكتورة نانسي بدران، مهندسة حلول الحوسبة للمشاريع السحابية في الحكومة الفيدرالية الكندية بأوتاوا، تؤكد في حديثها إلى “النهار” أن “القيمة لم تعد في الظهور ضمن الصفحات الأولى، بل في أن يصبح المحتوى مرجعاً تتعلم منه النماذج التوليدية نفسها”، مشيرة إلى أن هذه النقلة ستحدد موقع الشركات والمؤسسات في الخريطة الرقمية خلال السنوات المقبلة.

 

عالم ما بعد غوغل
تستثمر شركات ناشئة حول العالم ملايين الدولارات لفهم كيفية تعامل النماذج التوليدية مع المعلومات وكيفية ترتيبها، في سياق يمكن وصفه بعالم “ما بعد غوغل”. فالمسألة لم تعد تتعلق بتحسين الظهور الرقمي التقليدي، بل بضرورة استراتيجية تفرضها طبيعة هذه النماذج التي تتعلم من المحتوى بدلاً من مجرد فهرسته.

وتضيف: “المستخدم لم يعد يهتم بمصدر المعلومة بقدر اهتمامه بالحصول على إجابة موثوقة وسريعة. هذا يفرض على الشركات إنتاج محتوى غني، متماسك، وسهل الفهم بالنسبة للنماذج التوليدية، وإلا ستتراجع عن المشهد الرقمي خلال فترة وجيزة”.

 

 

لغة جديدة للظهور الرقمي
هذا التحوّل يفرض على الشركات تبنّي مفهوم جديد يعرف باسم تحسين الظهور أمام الذكاء الاصطناعي (AIO)، وهو مختلف جذرياً عن تحسين محركات البحث التقليدية (SEO). فبينما كان التركيز في السابق على ترتيب الروابط، يتجه التركيز الآن إلى جعل المحتوى قابلاً للتعلّم والفهم الآلي.

تشرح بدران هذه النقطة بقولها: “AIO ليس امتداداً طبيعياً لـ SEO، بل هو فلسفة جديدة تماماً. يجب أن يكون المحتوى منظماً، واضحاً، وقابلاً للفهم من النماذج التوليدية. الشركات التي تدرك هذا مبكراً ستكون في موقع متقدم خلال السنوات المقبلة”.

 

 

شركات تدعم الانتقال إلى عصر AIO
ظهر لاعبون جدد لدعم العلامات التجارية في هذا الانتقال، أبرزهم:
Profound، التي طوّرت منصة لتحليل كيفية نقل روبوتات الدردشة للمعلومات عن العلامات التجارية.
Athena، التي تقدم أدوات لرصد كيفية جمع النماذج التوليدية للمعلومات وتوصيات لتحسين المحتوى.
Scrunch AI، التي تساعد الشركات على جعل مواقعها أكثر وضوحاً وفهماً بالنسبة للذكاء الاصطناعي.
وتعلّق بدران: “نشهد اليوم ولادة سوق جديدة بالكامل، شبيهة بما حدث مع SEO قبل عقد من الزمن. هذه الشركات تدرك أن المعركة الحقيقية في المستقبل ستكون على كيفية بناء حضور موثوق أمام النماذج التوليدية”.

 

 

 

 

بحث أكثر تعقيداً… وأكثر تأثيراً
البحث التوليدي يجمع المعلومات من مصادر متعددة ويعيد صياغتها في إجابات جديدة، ما يجعل التحكم بالظهور أكثر صعوبة. وتحذّر بدران من هذا التعقيد قائلة: “لم يعد يكفي أن تكون موجوداً رقمياً، بل يجب أن تبني سمعة معرفية تجعل الذكاء الاصطناعي يثق بمحتواك ويستعين به في صياغة إجاباته”.

 

مهنة جديدة لعصر جديد
هذا التحوّل أوجد حاجة إلى دور وظيفي جديد داخل الشركات: “مهندس الظهور في الذكاء الاصطناعي” (AIO Engineer)، وهو دور يجمع بين الخبرة التقنية وفهم استراتيجيات المحتوى، بهدف ضمان حضور العلامة التجارية بشكل دقيق ومتسق في نتائج البحث التوليدي.

 

وتختتم حديثها الى “النهار” بقولها: “هذه المهنة ستصبح العمود الفقري للتسويق الرقمي خلال العقد المقبل. نحن أمام بداية مرحلة جديدة للبحث الرقمي، ومن يتجاهلها الآن قد يجد نفسه خارج اللعبة بالكامل”.