تركيا تقوم باعتقال مسؤول بارز في ‘حسم’… هل بدأت مرحلة إنهاء الملاذ الآمن لجماعة الإخوان؟

جاء اعتقال محمد عبد الحفيظ، أحد مؤسسي حركة “حسم” التابعة لجماعة “الإخوان المسلمين”، يوم الاثنين، من قبل السلطات التركية، وتواتر الأنباء عن ترحيله إلى مصر خلال ساعات، ليخفض من احتمالات تجدد التوتر السياسي بين القاهرة وأنقرة، ويفتح الباب أمام توقعات بحدوث نقلة في مستوى التعاون بين البلدين في ملف “الإخوان”.
ولفت البيان الصادر عن وزارة الداخلية المصرية، الأحد، والذي أعلن فيه عن مداهمة وكر تابع للحركة التي أعلنت مؤخراً نيتها استئناف نشاطها المسلح داخل مصر، انتباه كثير من المراقبين والمحللين، إذ أشار للمرة الأولى في نص رسمي إلى تركيا بوصفها ملاذاً لعناصر الجماعة الهاربين، وهو ما لم يحدث حتى في ذروة التوتر بين البلدين في الفترة الممتدة من 2013 إلى 2023، حين كانت العلاقات الديبلوماسية في أدنى مستوياتها، قبل أن يُعاد رفعها لاحقاً.
ورغم عودة العلاقات للتحسن التدريجي منذ عام 2022، ظل ملف “الأخوان المسلمين” محاطاً بقدر من الغموض.
وترجع جذور الأزمة السياسية إلى إطاحة الجماعة من السلطة إثر تظاهرات شعبية حاشدة اجتاحت مختلف أنحاء مصر. ومنذ ذلك الحين، بدأت حركات مسلحة أسستها قيادات من “الإخوان”، مثل “حسم” و”لواء الثورة”، إلى جانب تنظيمات جهادية مناصرة للجماعة كتنظيم “داعش”، تتسلل عبر حدود البلاد مع دول الجوار، وتشن هجمات استهدفت شخصيات رسمية ومقار أمنية وعسكرية ومدنية. وتمركز الآلاف من تلك العناصر الجهادية في شمال سيناء، قبل أن تنجح القوات المصرية في دحرها، وتوقيف أو قتل معظم قياداتها، فيما فرّ عدد من قادتها إلى الخارج، وخصوصاً إلى تركيا.
تطور لافت… ولكن
يعتبر الباحث في شؤون الأمن الإقليمي والإرهاب أحمد سلطان أن توقيف عبد الحفيظ يُعد تطوراً لافتاً، لكنه لا يُعد مؤشراً حاسماً على تغير جذري في موقف أنقرة من جماعة “الأخوان المسلمين”.
ويقول سلطان لـ”النهار”: “لا يمكن اعتبار هذا التطور تحولاً جوهرياً في سياسات تركيا تجاه الجماعة، والدليل أن شخصيات بارزة مثل رضا فهمي، الذي أصدر بياناً باسم ما يُعرف بمؤسسة ‘ميدان’ الأخوانية، لا تزال تنشط من تركيا، وقد زعم فيه أن النظام المصري قابل للانهيار، وقدم نفسه بديلاً محتملاً، في محاولة لمغازلة قوى إقليمية ودولية”.
ويشير سلطان أيضاً إلى استمرار وجود قيادات فاعلة في تركيا مثل يحيى موسى وعلاء السماحي، الذين وردت أسماؤهم في بيان وزارة الداخلية المصرية، من دون أن تُتخذ بحقهم إجراءات توقيف حتى الآن.
ويلفت إلى أن “إشارة البيان الرسمي إلى تركيا بوصفها دولة تؤوي هذه القيادات تمثل مؤشراً على توتر مستتر في العلاقات”، متوقعاً أن “تشهد الأيام المقبلة مزيداً من التوضيحات، في ظل استمرار الغموض في الموقف التركي”.
ويفسر الباحث التقارب المصري – التركي بأنه “نتاج معادلات إقليمية فرضت التعاون في ملفات أكثر إلحاحاً، مثل غزة وليبيا وغاز شرق المتوسط”، ما دفع الطرفين إلى تغليب البراغماتية و”غضّ الطرف موقتاً عن ملف الجماعة”.
ويعتقد سلطان أن إعلان “حسم” نيتها إعادة تفعيل نشاطها المسلح في مصر، قد يدفع القاهرة إلى المطالبة العلنية بتسليم قيادات الجماعة المقيمين في تركيا، خصوصاً من صدرت بحقهم أحكام قضائية.
“الإخوان”… ورقة محروقة؟
من جهته، يقول مصدر مقرّب من جماعة “الأخوان المسلمين” مقيم في تركيا، لـ”النهار”، إن وضع الجماعة هناك شهد تدهوراً ملحوظاً، مشيراً إلى رفض تجديد إقامات بعض أعضائها، وسحب الجنسية من آخرين.
ويبدو أن هذا التغيير في تعامل أنقرة مع الجماعة التي طالما دعمتها ووفّرت لها المأوى، يوحي بأن القيادة التركية باتت تنظر إلى “الأخوان” بوصفهم “ورقة محروقة”. فقد فشلت الجماعة في إدارة الحكم في مصر، وواجهت موجة غضب شعبي هائلة انتهت بخروج ملايين المصريين في تظاهرات عام 2013 أطاحت بها من السلطة. كما فشلت لاحقاً في زعزعة النظام عبر عمليات مسلحة نفذتها تنظيمات موالية لها، على مدار نحو تسع سنوات، رغم امتلاكها منصات إعلامية تُتابع من ملايين المصريين وتبثّ بشكل مكثف الشائعات والدعوات التحريضية.
ويتفق محللون على أن تجربة “هيئة تحرير الشام” في سوريا، ذات الخلفية الجهادية، والتي انتهت بوصول قائدها أحمد الشرع إلى السلطة في أواخر العام 2024، قد فتحت شهية “الأخوان” وبعض التيارات الإسلامية، وأحيت طموحاتهم في تكرار التجربة داخل مصر. لكن خبراء في شؤون الحركات الإسلامية يؤكدون لـ”النهار” أن هذه المحاولة مصيرها الفشل، لأن “تركيبة المجتمع والدولة في مصر تختلف جذرياً عن الواقع السوري”.