سعيّد يلتقي المستشار الرئيسي لترامب: اجتماع مثير ومواضيع حساسة تثير القلق

سعيّد يلتقي المستشار الرئيسي لترامب: اجتماع مثير ومواضيع حساسة تثير القلق

في زيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول أميركي لتونس منذ تولّي دونالد ترامب الحكم في كانون الثاني/ يناير الماضي، استقبل الرئيس التونسي قيس سعيّد في قصر قرطاج كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا مسعد بولس.
وأثارت الزيارة ضجة كبيرة، لا سيما بعد نشر الرئاسة التونسية مقطع فيديو يظهر فيه سعيّد واقفاً يحدّث ضيفه عن الأوضاع في غزة، مستعرضاً صور أطفال يعانون الجوع، ومؤكداً أن “الوقت قد حان لتستفيق الإنسانية أمام الجرائم الإسرائيلية في القطاع”.
وأفاد بيان للرئاسة التونسية بأن اللقاء تطرّق إلى عدد من المواضيع، أبرزها مكافحة الإرهاب بمختلف أشكاله، إلى جانب التطورات في المنطقة العربية. وشدّد سعيّد على أن شعوب الدول العربية وحدها من يملك حق حلّ قضاياها الداخلية، بعيداً عن أي تدخل أجنبي، مؤكداً أن “تونس اختارت توسيع شراكاتها الاستراتيجية بما يخدم مصالح شعبها ويحقق مطالبه”.

جولة في شمال أفريقيا
حازت الزيارة اهتماماً واسعاً في الأوساط السياسية والشعبية التونسية، لا سيما أنها تأتي بعد أيام من إعلان إدارة ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على السلع التونسية بدءاً من آب/ أغسطس المقبل.
واختار بولس تونس لتكون محطته الأولى في جولة تشمل أيضاً ليبيا، الجزائر والمغرب، في دلالة اعتبرها مراقبون تعكس أهمية تونس في الحسابات الأميركية الجديدة.
ويرى وزير الخارجية التونسي السابق أحمد ونيس، في حديث لـ”النهار”، أن هذا الاختيار يحمل رسالة بأن واشنطن تدرك تماماً أهمية الدور التونسي في المنطقة.
من جهته، يرى المتحدث باسم حزب “التيار الشعبي” محسن النابتي أن إدارة ترامب بعد حرب سوريا وتطورات الملف الإيراني، قررت إعادة التركيز على القارة الأفريقية. ويقول النابتي، لـ”النهار”، إن ترامب، الذي يسعى للفوز بجائزة نوبل للسلام، يحاول تقديم نفسه كرجل سلام في شمال أفريقيا، ومن هنا جاءت جولة كبير مستشاريه وصهره.
ويضيف أن اختيار تونس محطةً أولى في هذه الجولة يحمل رسائل عديدة، أبرزها مواقفها من العدوان الإسرائيلي على غزة، ورفضها التعامل مع السلطة السورية الجديدة، إلى جانب تقاربها مع إيران.

 

ملفّات بالجملة
ويشير النابتي إلى أن البيان الرئاسي يعكس تناول اللقاء لعدة ملفات، في مقدمها الملف الليبي، مرجّحاً وجود تحوّل في الموقف الأميركي حيال هذا الملف، الأمر الذي يفسّر، برأيه، أهمية زيارة تونس.
كذلك تطرّق اللقاء، بحسب النابتي، إلى الخيارات السياسية الجديدة التي تنتهجها تونس، قائلاً: “مستشار ترامب جاء برسالة مباشرة إلى الرئيس سعيّد، إذ تنظر واشنطن بقلق إلى تقارب تونس مع المعسكر الشرقي”.
ويؤكد أن رد سعيّد كان واضحاً، عبر تأكيده أن تونس تختار شركاءها وفق ما يخدم مصالح شعبها، مشيراً إلى أن العلاقات التونسية – الصينية تمر بمرحلة مزدهرة، وتونس من أكثر الدول المغاربية تقارباً مع إيران، كما أن مواقفها السياسية تتقاطع مع توجهات دول مجموعة “البريكس”، وهو ما يقلق الولايات المتحدة.
ويضيف أن سعيّد بعث برسائل طمأنة إلى شركاء تونس الجدد، مشدداً في الوقت نفسه على أن “تونس لن تكون حديقة خلفية لأي معسكر”.

نجاح اتصالي
من أبرز ما لفت الأنظار خلال الزيارة كان أسلوب سعيّد في مخاطبة ضيفه الأميركي. ويعتبر النابتي أن سعيّد حقق “نجاحاً اتصالياً لافتاً”، قائلاً: “الإدارة الأميركية تعوّدت على إملاء الأوامر على الرؤساء، لكن بولس فوجئ بموقف صارم من سعيّد، الذي تحدّث إليه واقفاً وبصوت عالٍ، مستعرضاً صور أطفال غزة، ما وضع الضيف في موقف حرج”.

مخاوف من الرد الأميركي
ورغم إشادة البعض بموقف سعيّد، أثار اللقاء مخاوف من ردّ فعل أميركي محتمل، عبّر عنها كثيرون على وسائل التواصل. ويرجّح النابتي أن واشنطن لن تلجأ إلى خطوات قصوى ضد تونس كما فعلت مع العراق أو إيران، لعدم وجود ملفات ثقيلة يمكن استخدامها لابتزازها، مضيفاً: “قد تسعى لتضييق الخناق الاقتصادي عبر قطع المساعدات أو التمويلات، تحت غطاء الحقوق والحريات، لكن الرئيس سعيّد لمّح إلى وجود بدائل”.

 

مواقف مبدئية
بدوره، يقلّل ونيس من احتمالات تدهور العلاقات التونسية – الأميركية، مؤكداً أن بيان الرئاسة التونسية التزم بمبادئ السياسة الخارجية، القائمة على رفض التدخلات الأجنبية والتشديد في المقابل على احترام سيادة تونس.
ويضيف ونيس أن سعيّد بعث بمجموعة من الرسائل، أبرزها أن التدخل الأميركي زاد الأمور تعقيداً في المنطقة، لكنه في الوقت نفسه لا يخشى الضغوط، مستنداً إلى مواقف مبدئية لا تتغيّر بتغيّر المزاج الدولي.