تركيا توقف تدفق النفط العراقي: قرار فردي يُحدث اضطرابًا في الأسواق ويُهدد مستقبل كردستان

تركيا توقف تدفق النفط العراقي: قرار فردي يُحدث اضطرابًا في الأسواق ويُهدد مستقبل كردستان

في تطوّرٍ مفصلي في العلاقات النفطية بين أنقرة وبغداد، أعلنت تركيا رسمياً إنهاء العمل باتفاقية خط أنابيب كركوك–جيهان، بدءاً من تموز/يوليو 2026، بموجب مرسوم رئاسيّ نُشر في الجريدة الرسمية. ويأتي القرار في ظلّ جمود مستمرّ منذ آذار/مارس 2023 في تدفق النفط عبر هذا الخط، بسبب حكم دوليّ ألزم تركيا بدفع تعويضات للعراق بقيمة 1.5 مليار دولار.

هذا القرار يضع مستقبل صادرات النفط العراقي، خصوصاً من إقليم كردستان، على المحك، ويفتح الباب على توترات سياسية واقتصادية بين الطرفين، في لحظة تتقاطع فيها ملفات الطاقة بالاستراتيجيات الجيوسياسية الأوسع في المنطقة.

ما هو خط كركوك–جيهان؟
يُعدّ خط كركوك–جيهان شرياناً حيوياً لتصدير النفط العراقي إلى الأسواق العالمية، فهو ينقل الخام من شمالي العراق إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط. أُنشئ الخط بموجب اتفاق عام 1973، ودخل الخدمة في 1977، ويغطّي قرابة 10% من صادرات العراق، ويوفّر ما يصل إلى 80% من موازنة إقليم كردستان.

ومع تطور البنية التحتية النفطية في كردستان بعد 2003، بدأ الإقليم باستخدام الخط لتصدير نفطه بشكل شبه مستقلّ، مما أثار اعتراض بغداد باعتباره انتهاكاً للسيادة النفطية الاتحادية.

صورة تعبيرية (وكالات)

أسباب القرار التركي
توقف الخط عن العمل منذ آذار 2023، بعد قرار غرفة التجارة الدولية في باريس، الذي دان تركيا لسماحها بتصدير نفط كردستان من دون موافقة بغداد، في وقت اعتبرت تركيا الحكم مجحفًا، ودخلت في مراجعة فنية للأنبوب، فتوقفت الصادرات، مما كلّف العراق أكثر من 19 مليار دولار حتى بداية 2025، بينها خسائر مباشرة لإقليم كردستان قاربت الـ 2 مليار دولار.

لكن ما حملته الأيام الأخيرة هو تصعيد جديد من أنقرة بإنهاء كل الاتفاقيات المرتبطة بالخط، بما فيها اتفاقيات 1973و1986، والتعديل الأخير في 2011. بحسب مصادر رسمية، ترى تركيا أن الاتفاق الحالي غير مجزٍ اقتصادياً، بخاصة مع توقف الضخّ وتحمّل تكاليف تشغيلية مستمرة من دون عوائد، مما دفعها إلى المطالبة بإعادة التفاوض على أسس جديدة.

التداعيات على العراق
أكد الخبير النفطي المهندس الاستشاري حيدر البطاط لـ”النهار” أنه سيكون للقرار التركي آثار اقتصادية وسياسية وقانونية واسعة، أبرزها حرمان العراق من منفذ تصدير حيويّ يعتمد عليه في تصدير ما يزيد عن 500 ألف برميل يوميًا. كذلك سيتأثر إقليم كردستان بشكل مباشر، إذ يشكل النفط المورد الأساسي له، وتُقدّر خسائره المباشرة بأكثر من 2 مليار دولار منذ توقف الخط، مع تراجع الاستثمارات النفطية وتسريح مئات العمال. إلى ذلك، ستضطر بغداد إلى تعويض النقص عبر موانئ الجنوب، مما يزيد من كلفة النقل والشحن ويقلّل هوامش الأرباح.

أما سياسياً ودولياً، فيرى البطاط بأنّ القرار يُعد إخلالًا بالاتفاقيات الدولية، ويضع تركيا تحت طائلة المساءلة القانونية، وهو يُربك صورة العراق كمصدر موثوق ومستقر للنفط عالمياً، ويضعه أمام تحدي إعادة بناء الثقة مع شركائه الدوليين.

على الصعيد القانوني، يشير البطاط إلى أنّ الاتفاقية المعدّلة عام 2010 تنصّ على ضرورة إشعار الطرف الآخر قبل سنة من الإلغاء، مما يفتح المجال لتحركات قانونية عراقية إذا لم تُستوفَ الإجراءات.

الخيارات أمام العراق
وعن الخيارات أمام العراق اعتبر خبير النفط أنّه مع اقتراب تموّز 2026، ينبغي للعراق التحرّك سريعاً لإعادة تموضعه النفطي، وذلك من خلال:
1) إعادة التفاوض مع أنقرة لتوقيع اتفاقية جديدة تراعي المصالح المشتركة.
2) تفعيل المسار القانوني لتحصيل تعويضات أو وقف الانسحاب التركي إن لم يلتزم بالشروط القانونية.

3) تنويع المنافذ التصديرية، بخاصة عبر الأردن وموانئ الخليج، رغم ارتفاع كلفة هذه البدائل.

4)إحياء خط أنابيب بانياس (العراق-سوريا) كخيار بعيد المدى، رغم التحديات الأمنية والبنية التحتية المهترئة.

في المحصّلة، إنّ إعلان تركيا إلغاء اتفاقية خط أنابيب النفط مع العراق لا يُعد مجرد إجراء تقني أو مالي، بل يحمل في طياته أبعاداً استراتيجية عميقة تعكس تحولات في موازين القوى الإقليمية، وتفرض على بغداد إعادة صوغ سياساتها الطاقوية والديبلوماسية.
المرحلة المقبلة تستوجب حكمة في التفاوض، وحدة في الموقف الداخلي، واستعداداً فنياً وقانونياً لإعادة هيكلة علاقات العراق النفطية من منطلق السيادة لا التبعية، والمصلحة لا المجاملة.