قسد: شائعات الاغتيال وسبل الاندماج – برّاك يعيد إحياء اتفاق دمشق

بالتوازي مع أحداث السويداء والمجازر الدامية التي بدأت تفاصيلها تتكشف عقب تثبيت وقف إطلاق النار، تصاعدت الحرب الإعلامية وحملات الشائعات التي استهدفت الإدارة الذاتية في شمال سوريا وشرقها، وجناحها العسكري قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، وصولاً إلى تداول أنباء عن محاولة اغتيال قائدها مظلوم عبدي.
شائعة محاولة الاغتيال جاءت، على ما يبدو، كردّ على شائعة أخرى تحدّثت عن توافق أميركي-إقليمي لتعيين عبدي نائباً للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، في ظل ردود الأفعال الغربية القاسية إزاء المجازر التي ارتُكبت بحق سكان السويداء، ذات الغالبية الدرزية، على يد قوات موالية لحكومة دمشق.
عبدي والشرع: تقارب سياسي يُشعل ماكينة الدعاية الإقليمية
تناقلت وسائل إعلام تركية مقرّبة من الرئيس رجب طيب أردوغان أنباءً عن تعرّض قائد “قسد” لمحاولة اغتيال على يد أحد حرّاسه الشخصيين، في ظلّ اعتراض بعض التيارات داخل “قسد” على التقارب المتسارع بين عبدي والشرع، خصوصاً بعد إعلان مبعوث ترامب الخاص إلى سوريا والسفير الأميركي في أنقرة توم برّاك قبول “قسد” الاندماج في الجيش السوري الجديد.
من جهته، ينفى قيادي بارز في “قسد” صحّة هذه الأنباء، واصفاً إياها بأنها “محاولات يائسة لاختلاق ضغوط على الإدارة الذاتية”. ويقول في تصريح لـ”النهار”: “تُشنّ على الإدارة الذاتية حرب شائعات وتضليل إعلامي واسعة، من قبل أطراف محلية وإقليمية، تهدف إلى حرف الأنظار عن الأزمة الداخلية وخلق انتصارات وهمية”.
ويضيف: “للأسف، بعض وسائل الإعلام التي لا همّ لها سوى ملاحقة الترند، تنقل هذه الشائعات السطحية من دون أي موضوعية”.
مكاسب دمشق تتبخّر أمام مجازر السويداء
وجاءت تصريحات برّاك بعد لقاء جمعه بعبدي في عمّان قبل يومين، وصفه مصدر كردي رفيع المستوى بأنه “إيجابي وبنّاء”.
وقبل أسبوعين، استضافت دمشق لقاءً جمع عبدي بوفد حكومي مؤلف من وزراء الخارجية والداخلية والدفاع، إضافة إلى رئيس الاستخبارات، وذلك بحضور أميركي-فرنسي. وقد فُسّر غياب أحمد الشرع عن هذا اللقاء كمناورة تهدف إلى خفض مستوى الندّية مع “قسد”، رغم أن اتفاق 10 آذار/مارس، الذي وُقّع بين الطرفين، جاء بترتيب مباشر من واشنطن.
إلا أن النقاط التي كسبتها الحكومة السورية من لقاء دمشق، مدفوعة بدعم برّاك وموقفه المؤيد للسلطة الانتقالية، سرعان ما تراجعت تحت وطأة الأحداث في السويداء. وقد أثارت مقاطع الفيديو المسربة صدمة واسعة في الأوساط الأميركية.
وكما كانت الحال في اتفاق 10 آذار، يبدو أن التصريح الأخير لبرّاك، والتفاهمات المنتظرة خلال الأيام المقبلة، يُفهم منها أنها محاولة أميركية لاحتواء الضرر السياسي والإعلامي الذي لحق بصورة السلطة الانتقالية في دمشق. وهذا ما يمنح الإدارة الذاتية هامشاً جديداً للمناورة، بحثاً عن شروط تفاوضية أفضل، بعدما رفضت تلك التي حاول برّاك فرضها قبل أسبوعين.
اندماج “قسد”… لكن بشروط
في خضم هذه التطورات، زعمت وسائل إعلام مقرّبة من أنقرة أن مهلة أميركية-تركية وُضعت أمام “قسد” تمتد 30 يوماً لإنهاء عملية اندماجها في الجيش السوري الجديد، بالتزامن مع تقارير عن خطط تركية لشنّ عملية عسكرية جديدة دعماً لدمشق في حال فشل مسار التوافق.
وردّاً على هذه المزاعم، قال المركز الإعلامي لـ”قسد” في بيان رسمي: “ننفي ما ورد في تقرير لموقع (ميدل إيست آي) حول قواتنا ودورها المستقبلي. تلك المعلومات كاذبة وتهدف إلى تضليل الرأي العام عمداً”.
وبدوره، يقول القيادي في “قسد” إنّ “الاندماج هو هدف مُعلَن من قبل قسد أيضاً، لكن لا تزال هناك نقاط عدة تحتاج إلى التفاهم والحوار”، مشيراً إلى تصريحات برّاك ذاتها، والتي تحدّث فيها عن “مسار تفاوضي ناجح بين دمشق والقامشلي”.
ويصف المصدر التقارير التي تحدّثت عن استعدادات تركية لعملية عسكرية جديدة بأنها “مجرد ورقة ضغط على الإدارة الذاتية”، مشيراً إلى أن “مسار السلام مع حزب العمال الكردستاني داخل تركيا، والظروف الإقليمية والدولية، تجعل من هذه الخطوة شبه مستحيلة في المرحلة الراهنة”.
ولدى سؤاله عن تلك الظروف، يوضح أنّ “هناك توافقاً دولياً واضحاً على ضرورة تثبيت الاستقرار في سوريا، وأي تدخل عسكري تركي سيقوّض هذا الاستقرار. كما أن تنفيذ مثل هذه العملية يتطلب ضوءاً أخضر أميركياً، وهو أمر لا توحي به المؤشرات الصادرة عن الأجنحة الديبلوماسية أو العسكرية في واشنطن”.
ويختم قائلاً: “لا يمكن تجاهل التوافق الكردي الذي ظهر جلياً في مؤتمر وحدة الصف الكردي في نيسان/أبريل الماضي، ومواقف أربيل الرافضة لأي مساس بحقوق الأكراد في سوريا. هذا التوافق يمنح لجنة الإدارة الذاتية قوة تفاوضية، ليس باسم الأكراد فقط، بل باسم جميع مكونات شمال سوريا وشرقها”.