أوروبا تتصدى لروسيا… بخمس مئة رأس نووي؟

أوروبا تتصدى لروسيا… بخمس مئة رأس نووي؟

بحسب “إعلان نورثوود”، تعمل المملكة المتحدة وفرنسا على تنسيق ردعهما النووي المشترك. بعبارة أوضح، ومع تراجع الثقة بالمظلة النووية الأميركية، تسعى باريس ولندن إلى ردع روسيا، الدولة التي تمتلك 5000 رأس نووي تقريباً. إنما تريد القوتان الأوروبيتان تحقيق هدفهما بنحو 500 رأس نووي وحسب.

 

مسألة الردع النووي معقدة إذ تستند إلى عقائد متنوعة كما إلى تصورات حول طريقة تصرف الطرف المراد ردعُه، وهو سلوك يصعب استباقه، بالأخص في اللحظات الحرجة. وحتى مع افتراض أن باريس ولندن قادرتان على التفاهم التام بشأن طريقة وزمان وحجم استخدام أسلحتهما النووية بشكل مشترك، وأن المملكة المتحدة تستطيع سريعاً سحب واستخدام معظم صواريخها الموجودة في الولايات المتحدة، يبقى الكثير في صورة الردع غامضاً. لكن نظرياً على الأقل، ستكون الدولتان قادرتين على ردع روسيا عن استخدام السلاح النووي أولاً، في هكذا سيناريو افتراضي، بالرغم من اختلال حجم الترسانة بشكل واضح لمصلحة موسكو.

 

كيف؟

حددت أميركا في الستينات وجوب احتفاظ جيشها بالحد الأدنى من القدرات النووية المتبقية، أي تلك التي تَسلم من هجوم سوفياتي مباغت. بحسب وزير الدفاع آنذاك روبرت ماكنمارا، على القوة المتبقية ضم نحو 400 رأس نووي لتأمين “ضربة انتقامية مدمرة مؤكدة”، وهي ركن من قاعدة “التدمير المتبادل المؤكد”. حالياً وبحسب بعض الخبراء، قد يكفي 50 إلى 100 رأس نووي لإحداث تأثير مدمّر، خصوصاً إذا تم التركيز على ضرب البنية التحتية الصناعية للدولة المعادية، بدلاً من ضرب قوتها العسكرية بشكل مباشر (counterforce targeting).

 

فلضرب الصوامع التي تحتوي على الرؤوس النووية، قد يكون هناك حاجة لأكثر من رأس واحد، ربما بين رأسين إلى أربعة رؤوس. وينطبق وضع مماثل على ضرب الصواريخ النووية المتحركة.

 

تعتنق فرنسا وبريطانيا مفهوم “الردع المستمر من البحر” عبر تسيير غواصات قادرة على إطلاق صواريخ نووية. يتفق المراقبون على صعوبة رصد الغواصات. وهذا يمنح الفرنسيين بالتحديد ميزة كبيرة، مع احتمال تمتعهم بنحو 240 صاروخاً يطلق منها. وبعكس بريطانيا، تملك فرنسا أيضاً مكوناً جوياً لسلاحها النووي، مما يكسبها مرونة إضافية.

 

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (أ ب)

 

ومن بين آلاف الرؤوس النووية (4309 بدون احتساب الرؤوس المحالة إلى التقاعد)، تنشر روسيا 1710 رؤوس، مقابل 1670 لدى الولايات المتحدة. وتملك فرنسا نحو 290 رأساً نووياً مقابل 225 للمملكة المتحدة التي تنشر جزءاً ضئيلاً منها، بعكس فرنسا. ويسيّر البريطانيّون غواصة واحدة، مما يعرّضها للانكشاف سريعاً بمجرّد إطلاق صواريخها.

 

على الأغلب، يحتمل أن تحافظ الدولتان على قوة كبيرة للرد على ضربة روسية أولى. كما كتب بول فان هوفت من مؤسسة “راند” البحثية، وهي مؤسسة أميركية رائدة بمفكريها الاستراتيجيين النوويين خلال الحرب الباردة، إن أعداد الأسلحة النووية لكلتا الدولتين “يجب أن (تمكّنهما من التمتع بـ) أسلحة استراتيجية كافية للتسبب بأضرار غير مقبولة لموسكو وسانت بطرسبرغ”. لكن على مستوى السيناريوهات التفصيلية تصبح الأمور أكثر تعقيداً.

 

“ما تستطيع فعلَه مع الدب”

سيظل صعباً على الترسانتين الحلول بشكل كامل مكان الترسانة الأميركية وتوفير ضمانات للأوروبيين، خصوصاً على الحدود مع روسيا، تتمتع بنفس موثوقية الضمانات الأميركية. على سبيل المثال، تحدث مارك بَل من جامعة مينيسوتا وفابيان هوفمان من جامعة أوسلو عن “التحصين العدواني(aggressive sanctuarization) حيث تحتل روسيا بموجبه أرضاً أوروبية، ثم تهدد بالسلاح النووي إذا حاول الأوروبيون استعادتها. وبما أن موسكو تتمتع بتفوق هائل في عدد الأسلحة النووية التكتيكية المخصصة للاستخدام الميداني، لا للتدمير الشامل، سيكون تهديدها متمتعاً بالصدقية.

 

للأسلحة التكتيكية تأثير محدود نسبياً بالمقارنة مع الأسلحة الاستراتيجية، وقد تصل قوتها إلى كيلوطن واحد من المتفجرات. وأشار البعض إلى أن الرؤوس التكتيكية تكسب المعارك، بينما الرؤوس الاستراتيجية تكسب الحروب.

 

لا يزال الكثير غامضاً بشأن التنسيق بين البلدين، وقد يكون مبكراً حتى الحديث عن حقبة نووية جديدة في أوروبا. لكن ثمة قول شائع في باريس يلخّص الكثير من الرؤية الاستراتيجية لفرنسا وشركائها: “من غير الممكن قتل الدب (الروسي)، لكن يمكن تمزيق أحد مخالبه”.