الجنائية الدولية تستهدف قادة الميليشيات الليبية: اعتقال الهيشري في ألمانيا يعيد فتح القضايا المتراكمة

خالد الهيشري.
عادت المحكمة الجنائية الدولية إلى واجهة الملف الليبي، مع تصاعد جهودها لملاحقة قادة الميليشيات المتورطين في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. ويأتي هذا التطور في ظلّ انقسام داخلي حول ولاية المحكمة، التي تتخذ من لاهاي مقرّاً لها، للتحقيق في جرائم ضد الإنسانية ارتُكبت في ليبيا منذ سقوط نظام معمّر القذافي عام 2011.
ففي تطوّر لافت، أوقفت السلطات الألمانية قبل أيام الليبي خالد محمد علي الهيشري، أحد أبرز قادة ما يُعرف بـ”جهاز الردع”، تنفيذاً لمذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية. وتأتي هذه الخطوة بعد نحو سبعة أشهر من توقيف رئيس “جهاز الشرطة القضائية”، أسامة نجيم، في روما، إلا أن السلطات الإيطالية سمحت له بالعودة إلى ليبيا بعد أيام، ما أثار موجة انتقادات حقوقية واسعة.
إلى جانب الهيشري ونجيم، تضمّ قائمة المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية ستة قادة ميليشيات ليبيين آخرين، هم: عبد الرحيم الشقاقي، مخلوف أرحومة دومة، ناصر محمد ضو، محمد سالمي، عبد الباري عياد الشقاقي، وفتحي فرج الزنكال، فضلاً عن سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس الراحل.
لكن ولاية المحكمة على الأراضي الليبية تبقى موضع جدل بين الأطراف السياسية، إذ أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة دعم حكومته لتحركات المحكمة في ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب والانتهاكات، فيما رفض مجلس النواب هذا التوجه، مشدداً على “عدم شرعية” أي قرارات تصدرها الحكومة في هذا الصدد.
ويحسم الحقوقي الليبي البارز طارق لملوم هذا الجدل، مؤكداً لـ”النهار” أن مجلس الأمن الدولي كلف المحكمة الجنائية عام 2011 بالنظر في الجرائم المرتكبة في ليبيا، وبالتالي “لا يحق لأي جهة تشريعية أو تنفيذية الطعن في صلاحياتها”. ويشير إلى أن التحرك الأخير جاء بعد إحباط واسع في الشارع الليبي وانتقادات لأداء المدعي العام الدولي، لافتاً إلى أن “الملف الليبي بات من بين أبرز أولويات المحكمة حالياً”.
ويوضح لملوم أن السلطات الألمانية باتت ملزمة بتسليم الهيشري، المعروف بلقب “البوتي”، إلى المحكمة، متوقعاً نقله إلى لاهاي خلال أيام. وأضاف أن الهيشري يُعد من مؤسسي “جهاز الردع” منذ العام 2011، وكان له نفوذ كبير في الغرب الليبي، قبل أن يتراجع حضوره خلال العامين الأخيرين، إذ أقام في المغرب وعمل في السفارة الليبية هناك، قبل أن يسافر إلى ألمانيا للعلاج برفقة والدته وعدد من أفراد أسرته.
وبحسب المحكمة الجنائية الدولية، فإن الهيشري كان من كبار مسؤولي سجن معيتيقة، حيث يُتهم بالإشراف على احتجاز آلاف الأشخاص لفترات طويلة، ويُشتبه في ارتكابه، أو إعطائه الأوامر بارتكاب، جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، من بينها القتل والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي، وذلك بين شباط/فبراير 2015 ومطلع 2020.
ورداً على سؤال بشأن دور الحكومة الليبية في هذا الملف، يستبعد لملوم أن يكون الدبيبة قد تدخّل مباشرة في قضية الهيشري، مشيراً إلى أن المحكمة تعمل على هذا الملف منذ سنوات. لكنه أقر بأن الدبيبة “أبدى تعاوناً غير مسبوق مع المحكمة على عكس سابقيه، ويستثمر هذا الملف سياسياً، لا سيّما أن معظم المطلوبين من خصومه السياسيين”.
من جهته، يوضح أستاذ القانون الدكتور راقي المسماري أن ليبيا ليست طرفاً في “نظام روما” المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، لكنها خضعت لولاية المحكمة بقرار من مجلس الأمن الدولي (القرار 1970 لعام 2011) تحت بند حماية المدنيين. ويلفت في حديثه لـ”النهار” إلى أن حضور وزير العدل في حكومة الوفاق السابقة إحدى جلسات المحكمة بشأن قضية سيف الإسلام القذافي عام 2019 شكّل تفويضاً ضمنياً بقبول اختصاص المحكمة، وهو ما تم تأكيده لاحقاً من قبل حكومة الدبيبة، رغم اعتراض سلطات الشرق الليبي الذي يُعد إعلاناً سياسياً لا يُلغي القرار الدولي.
وإذ يشير لمسماري إلى أن الهيشري سيُسلّم لاحقاً إلى المحكمة بعد انتهاء الإجراءات القضائية الألمانية، يعرب عن اعتقاده أن “الدبيبة يوظف هذه القضايا لإحراج جهاز الردع وتقليص نفوذه تمهيداً لتفكيكه، خصوصاً بعدما وصف قادته أكثر من مرة بأنهم مجرمون مطلوبون دولياً”.
العلامات الدالة