قانون الحشد يثير انقسامات جديدة في بغداد: تناقضات داخلية وضغوط من الولايات المتحدة

في خضم التحديات السياسية والأمنية التي يواجهها العراق، عاد إلى الواجهة مجدداً مشروع قانون الخدمة والتقاعد لمنتسبي هيئة الحشد الشعبي، مثيراً سجالات حادة داخل مجلس النواب، وجدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والدولية المعنية.
وتواجه قوى “الإطار التنسيقي”، التي تسعى إلى “تنظيم أوضاع المقاتلين وتثبيت حقوقهم”، اتهامات من كتل سنية وكردية بـ”تسييس” القانون انتخابياً، إلى جانب مخاوف من تكريس مبدأ “الازدواجية العسكرية”.
الخلاف بشأن سنّ التقاعد
ويقول عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية النائب مختار الموسوي، في تصريح لـ”النهار”، إن “القراءة الثانية للقانون جرت في جلسة حضرها 172 نائباً، لكن لم يُصوَّت على القانون حتى الآن”، موضحاً أن “التعديلات المطروحة تركزت على فقرة سن التقاعد فقط، دون المساس ببقية فقرات القانون”.
ويشير إلى أن “بعض الأطراف النيابية طالبت بإعادة القانون إلى الحكومة، لكونه يتعلق بالتقاعد، فيما شدّد آخرون على ضرورة التصويت أولاً على القانون الخاص بهيكلية الحشد”.
وأكد زميله في اللجنة النيابية رفيق الصالحي أن الكتل اتفقت على معالجة الخلافات، وإضافة صلاحية لرئيس الوزراء تتيح له تمديد خدمة القيادات لخمس سنوات.
وبحسب الموسوي، فإن هناك مواقف متباينة من الكتل الكردية والسنية؛ إذ انسحب نواب الحزب الديموقراطي الكردستاني من جلسة القراءة الثانية، احتجاجاً على تمرير القانون من دون معالجة مسألة رواتب الإقليم.
وفي هذا السياق، حذر النائب عن الحزب الديموقراطي الكردستاني شيروان الدوبرداني من “تسييس قانون الحشد الشعبي واستخدامه في الدعاية الانتخابية”.
واشنطن تعارض القانون
وفي 14 تموز/يوليو الجاري، تحدث رئيس البرلمان محمود المشهداني عن تلقي قادة سياسيين رسائل أميركية ترفض تمرير قانون الحشد، محذّراً من تظاهرات محتملة قد تشهدها مدن عراقية خلال الفترة المقبلة، ما قد يدفع البلاد نحو إعلان “حكومة طوارئ”.
من جهتها، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس إن واشنطن تعارض القانون “لأنه يناقض سيادة العراق ويضفي الشرعية على جماعات مسلحة مرتبطة بإرهابيين… بعضهم هاجم المصالح الأميركية وقتل أميركيين”.
لكن الموسوي يعتبر الموقف الأميركي “تدخلاً سافراً”، مؤكداً وجود إجماع سياسي داخل قوى الإطار التنسيقي على إقرار القانون خلال الجلسات المقبلة.
الحكومة تحاول عرقلة تمريره
وتقول مصادر مقرّبة من الإطار التنسيقي إن هناك حراكاً لحسم الخلافات بشأن التقاعد والاستثناءات ضمن مواد القانون، إلا أن المعارضين يرون أنه “يتجاهل تحقيق التوازن الوطني، ما قد يفاقم الانقسامات”.
وتوضح المصادر، في حديث إلى “النهار”، أن الحكومة كانت قد سحبت مشروع القانون في وقت سابق، لأنها رغبت في تعديل هيكلية الحشد، معتبرة أن رغبة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الحقيقية تتمثل في “تأخير تشريعه، لإبقاء الإدارة الحالية للحشد في موقعها”.
وتُرجّح المصادر أن تمارس بعض الجهات “ضغوطاً سياسية” بهدف كسب مزيد من الوقت وتأجيل تمرير القانون.
من جانبه، يقول عائد الهلالي، الباحث في الشأن السياسي والمقرّب من رئيس الوزراء، إن بعض الفصائل اعترضت على القانون بعد شعورها بالتهميش، واتهمت قيادات بارزة في الهيئة، على رأسها فالح الفياض، بـ”تعطيل تمرير القانون”، واستخدامه ورقة لتحقيق أهداف انتخابية أو حزبية ضيّقة.
ويضيف الهلالي، في تصريح لـ”النهار”، أن مشروع القانون يواجه تحديات داخلية وخارجية، أبرزها الانقسام داخل الإطار التنسيقي، وتحديداً بين من يدعون إلى فرض سن تقاعدية صارمة لا تتجاوز 60 عاماً، وبين من يطالبون بمرونة تسمح بتمديد خدمة قيادات حالية مثل الفياض وأبو فدك.
ويتابع أن هناك أيضاً ضغوطاً أميركية، إذ تعتبر واشنطن أن القانون يشرعن “جماعات مصنّفة إرهابية”، داعية إلى ربط الحشد برقابة مدنية وإعادة النظر في هيكليته.
في المحصلة، يعكس الجدل المحتدم حيال قانون الحشد الشعبي هشاشة التوازنات السياسية في العراق، وتضارب أولويات الفاعلين الداخليين والخارجيين. فبينما تسعى قوى “الإطار التنسيقي” إلى تثبيت نفوذها عبر تشريعات تنظيمية، تتخوّف الأطراف الأخرى من تكريس هيمنة جهة دون أخرى، على حساب ما بقي من “التوازن الوطني”. أما واشنطن، التي لا تُخفي رفضها لأيّ صيغة تُشرعن وجود فصائل مرتبطة بـ”محور إيران”، فتسعى للتأثير عبر الضغط والرسائل السياسية، وسط مخاوف من أن تتحول ساحة البرلمان إلى مرآة لصراعات إقليمية ودولية أكبر.
وبين التريث الحكومي والانقسام النيابي، يبقى مستقبل القانون مرهوناً بتفاهمات اللحظة الأخيرة، أو بانفجار الأزمة مجدّداً في الشارع.