التنافس بين إسرائيل وتركيا يزيد من فرص استئناف النزاع في السويداء

التنافس بين إسرائيل وتركيا يزيد من فرص استئناف النزاع في السويداء

يتخذ الصراع في محافظة السويداء أبعاداً دولية تتعدّى ميدان الاشتباك المذهبي ومحاولات السلطة السورية السيطرة على الجنوب، وقد وضع في إطار السباق الدولي لبسط النفوذ على المنطقة الاستراتيجية الواقعة بين إسرائيل وسوريا ولبنان والأردن، وهو موقع قد يكون حيوياً ومهماً في معادلات الأمن والنقل والتجارة الإقليمية والدولية، ما يرجّح استمرار التوترات في المحافظة الجنوبية.

السياسة لا تحتمل الفراغ، والمساحة التي خلّفتها إيران بعد تراجع محورها في المنطقة استدعت نشاطاً تركياً استثنائياً لملئها، ومن هذا المنطلق يتخذ الصراع في الجنوب السوري وغيره من المناطق شكلاً من أشكال السباق بين تركيا وإسرائيل، القوتان الإقليميتان الأبرز على حافة البحر المتوسط، واللتان تسعيان لتغيير الخرائط وفق مقتضيات مشاريعهما الإقليمية.

في هذا السياق، نشرت مجلة “The Cradle” المعنية بمنطقة غرب آسيا، مقالة كتبها مالك الخوري، تطرّق خلالها إلى السباق بين الرؤيتين الإسرائيلية والتركية، وألقت الضوء على خطط ممرات النقل التي تتقاطع وتتنافس بين المشروعين، المشروع الأول هو “طريق التنمية” التركي الذي يربط البصرة بتركيا فأوروبا، و”خط السلام” الإسرائيلي الذي يربط الخليج العربي بالبحر المتوسط وأوروبا.

الممر ضرورة للتجارة الإقليمية والدولية، وبات أكثر إلحاحاً مع التهديدات الأمنية التي تعرّضت لها الممرات البحرية خلال فترة العامين التي مضت، لا سيما هرمز وباب المندب، وبالتالي البنية التحتية للممرّين البرّيين صارت “ساحات معركة استراتيجية” في النظام الإقليمي الجديد وفق المقالة، ومن هذا المنطلق فإن السويداء “بوابة محتملة” ودائمة للحرب.

 

صورة جوية للسويداء (أ ف ب).

 

الجغرافيا تحكم، وموقع السويداء في قلب المعادلات التجارية والأمنية لتركيا وإسرائيل جعلها نقطة استراتيجية على الخريطة و”بعمق المشروعين المتنافسين”، فبالنسبة لإسرائيل، إن جنوب سوريا ممر محتمل لخطط النقل وسكك الحديد، ومحيط أمني لضمان سلامة التجارة والأمن الإسرائيلي، أما بالنسبة لتركيا، فإنها شريان لتطويق مشروع النقل الإسرائيلي، كون المنطقة لا تحتمل المشروعين.

إسرائيل بدورها تحاول أيضاً تطويق المشروع التركي وبسط نفوذها شرقاً، وقد برز في الأيام الأخيرة من اشتباكات السويداء مشروع “ممر داوود” الذي يمتد من الجنوب السوري نحو الشمال الشرقي حيث مناطق الأكراد. ولئن كان الشيخ حكمت الهجري الذي تربطه علاقات مع إسرائيل قد طرحه تحت عنوان “إنساني” لمد السويداء بالمواد الغذائية والطبية، فإن خلف الطرح مشروعاً إسرائيلياً استراتيجياً.

أستاذ العلاقات الدولية نبيل الخوري يتحدّث عن هذا الصراع انطلاقاً من أهمية موقع سوريا في المعادلات التجارية والأمنية، ويقول إنه “حيوي وأساسي” للطرفين. بالنسبة لتركيا، فإنها ممر نحو الخليج العربي وأفريقيا، وبالنسبة لإسرائيل، فهي باب نحو الخليج أيضاً وآسيا، ولا بديل منها ومن “الفرص” التي توفرها في الإقليم.

هذا الواقع غير المستقر بين تركيا وإسرائيل والذي ينعكس مباشرةً على سوريا وارتباط أنقرة وتل أبيب بجماعات موالية لها، يمكن أن يؤشّر إلى اشتباك طويل ومستمر. وفي حديث لـ”النهار”، لا يستبعد الخوري استمرار حال التوتر في سوريا ويرهن الوضع بحال العلاقات التركية – الإسرائيلية التي تتسم بـ”عدم اليقين”، خصوصاً أن دينامية الانقسام الداخلي السوري تعزّز من عوامل هذا الاشتباك.

في المحصلة، فإن الهدوء الذي تم التوصّل إليه سببه المساعي الدولية والأميركية خاصة لوقف النار في الجنوب السوري، لكن وفق ما يبدو، فإن السباق محموم بين تركيا وإسرائيل على مناطق النفوذ وممرات النقل والتجارة، وبالتالي فإن هذا الصراع من المرتقب أن ينعكس توتراً عسكرياً واشتباكات في المناطق المتصارع عليها، وبينها الجنوب السوري والسويداء.