هل تحول سد النهضة إلى أداة ضغط في يد ترامب بشأن ملف “التهجير”؟!

هل تحول سد النهضة إلى أداة ضغط في يد ترامب بشأن ملف “التهجير”؟!

عاود الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإدلاء بتصريحات مثيرة بشأن سد النهضة، مؤكّداً أن واشنطن تحاول حل أزمة السد بين مصر وإثيوبيا بسرعة، لأنه يعيق تدفّق مياه النيل لدولتي المصبّ. شعرت أديس أبابا بالقلق من تصريحات الرئيس الأميركي، بينما توجست القاهرة، خشية أن يكون “وراء الأكمة ما وراءها”!

كرّر ترامب تصريحاته، في سياق حديث عن المناطق الساخنة حول العالم التي يسعى إلى احتواء أزماتها. قال: نحن وإثيوبيا أصدقاء لكنهم بنوا سداً يعرقل وصول المياه إلى نهر النيل، منبع الحياة ومورد دخل مهم للغاية لمصر. وأضاف أن أميركا موّلت السد، ولا أعلم لماذا لم تُحلّ المشكلة قبل البناء. لكن من الجيد أن يكون النيل مليئاً بالمياه، بمعنى التوصل إلى اتفاق بين إثيوبيا والسودان ومصر.

أطلق مشروع السد في 2011 على النيل الأزرق قرب الحدود الإثيوبية – السودانية، وهو أكبر مشروع كهرومائي في أفريقيا، بطول 1,8 كيلومتر وارتفاع 145 متراً، وهو قادر على حجز 74 مليار متر مكعب من المياه. تعتبر أديس أبابا السد ضرورياً لإمداد شعبها بالطاقة وللتوسع الزراعي، لكنه يثير توترات شديدة مع القاهرة والخرطوم. تشعر دولتا المصب بقلق عارم من تأثير السد على حصتهما من المياه، خاصة في سنوات الجفاف.

أخيراً، أعلن آبي أحمد رئيس وزراء أثيوبيا انتهاء العمل في مشروع السد، ودعا مصر والسودان لحضور افتتاحه رسمياً في أيلول/سبتمبر المقبل، لافتاً إلى انفتاح بلاده على الحوار واستعدادها للدخول في مفاوضات مع دولتي المصب، لتحقيق التنمية المشتركة وضمان مصالح جميع الأطراف.

على مدى 12 عاماً خاضت الدول الثلاث جولات مفاوضات، فشلت جميعها في التوصل لاتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد، من بينها جولة برعاية الرئيس ترامب نفسه في نهاية ولايته الأولى شباط/فبراير 2020، توصلت لاتفاق وقّعته مصر، وامتنعت إثيوبيا عن توقيعه في اللحظة الأخيرة، مما اعتبره ترامب استخفافاً به وبالولايات المتحدة. من هنا، قد تكون تصريحات ترامب المتكررة حول السدّ بشكل لافت، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، تعبيراً عن ضيقه بالسلوك الإثيوبي الاستعلائي، بالإضافة إلى رغبته في محاصرة نفوذ الصين في قلب القارة السمراء. كذلك تشعر واشنطن بأن الخطوات الأحادية الإثيوبية في ملف السدّ قد تشعل القرن الأفريقي وحوض النيل، وتضيف “بؤرة جديدة” إلى الأزمات العالمية تهدّد الأمن الإقليمي والدولي.

بالنسبة لمصر، رحّب الرئيس عبد الفتاح السيسي بتصريحات نظيره الأميركي، وتأكيده على ما يمثله النيل لمصر كمصدر للحياة، وأعرب عن ثقته بقدرة ترامب على التوصل إلى اتفاق عادل بشأن السد، يحفظ مصالح الجميع، مبيناً أن مصر تدعم رؤية ترامب في إرساء السلام والاستقرار في مناطق النزاع، أفريقيا وأوكرانيا والأراضي الفلسطينية.

وبعيداً عن “المبارزة الديبلوماسية” بين السيسي وترامب، رجح خبراء مصريون أن تكون “التصريحات الترامبية” بشأن السد الإثيوبي “تلويحاً بالجزرة” أو “محاولة للضغط” على بلادهم، لمساومتها أو مقايضتها أو إغرائها بقبول تهجير أهالي غزة، وهو الملف الذي تعتبره القاهرة خطاً أحمر؛ وقالوا إن مصر دولة محورية في الشرق الأوسط، وتواجه تحديات من جميع الاتجاهات، في البحر الأحمر وليبيا والسودان وإثيوبيا، وإن محاولات إلهاء مصر وإضعاف دورها الإقليمي لا تهدأ، وإن قضية مياه النيل أخطر الأوراق للضغط على بلاده. وأشار بعضهم إلى أن الصلف الإثيوبي بملء السد بشكل أحادي كاد يؤدي إلى مجاعات وكوارث يصعب تصورها، لولا وجود السد العالي. وأوضحوا بأن أزمة سدّ النهضة نتاج تخطيط أميركي – إسرائيلي، وتنفيذ إثيوبي، وهو ما اعترف به ترامب نفسه، عندما وصف تمويل بلاده للسد الإثيوبي بأنه “تمويل غبي”، موضحاً بأنه يمنع تدفق المياه إلى النيل. لكن من الجميل أن تكون هناك مياه في النيل، إنه شريان الحياة بالنسبة لمصر. سوف نحل هذه المشكلة بسرعة. نحن نبرم صفقات جيدة، على حد تعبير ترامب.

الخبراء المصريون أوضحوا بأن ترامب ربما يلوّح بورقة السد مقابل “تهجير الفلسطينيين”، وأنه سيقف مع الدولة التي تقبل بتهجيرهم إلى أراضيها، سواء مصر أم إثيوبيا، كما أنه يدغدغ مشاعر السودانيين والمصريين برسائل طمأنة من دون أفعال حقيقية، في سياق “مغازلته” جائرة نوبل؛ للظهور أمام العالم كصانع معجزات، يطرح أزمة سد النهضة وكأنه سيحلها قريباً، ليضيف إنجازاً إلى ما يتوهم أنه “سجل إنجازاته”، مثل: وقف الحرب بين الهند وباكستان، والكونغو ورواندا، وإسرائيل وإيران، ليعوض إخفاقاته في ملفات أخرى كغزة وأوكرانيا.

في الواقع، يستطيع ترامب – إن أراد – دعوة مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتفاق عادل، أو تقليل السعة التخزينية للسد لضمان الأمن المائي لمصر والسودان، ولا سيما أن أديس أبابا تعتزم بناء 100 سدّ صغير، بالإضافة إلى 3 سدود مماثلة لسد النهضة، مما ينذر بتغير المشهد الاستراتيجي في الإقليم، وإشعال مياه النيل!