كروم العنب تنمو من الرماد في دير اللطرون بمدينة القدس

كروم العنب تنمو من الرماد في دير اللطرون بمدينة القدس

بعدما استبدل رداء الرهبان بملابس العمل واعتمر قبعة تقيه الشمس الحارقة، يجثو الأب كريستيان-ماري على الأرض التي حرثت أخيراً ليزرع شتلات العنب ويعوض بعضا مما قضت عليه حرائق الغابات التي اجتاحت وسط إسرائيل.

 

تعود صناعة النبيذ في دير اللطرون قرب القدس إلى أكثر من 135 عاما مع وصول رهبان فرنسيين إليه.

 

مزارعون في حقول العنب في القدس (أ ف ب)

 

ويقول الرهبان إن الحرائق التي اندلعت في أواخر نيسان/أبريل الماضي، ألحقت ضررا بحوالى 12 فدانا من كروم العنب أي ما يقارب ثلث المحصول.

 

لكن الرهبان لم يستسلموا بل أطلقوا نداء للمساعدة في إعادة زراعة الكروم، فلبى دعوتهم عشرات المتطوعين انشغلوا في إقامة الحفر لغرس الشتلات.

 

 

ويقول الأب كريستيان-ماري الذي أمضى حوالى 28 عاماً في الدير، إن الشتلات الجديدة ترمز إلى التفاؤل بالمستقبل. ويضيف في حديثه لوكالة فرانس برس “من المهم جداً بالنسبة لي، وأنا أعيش هنا في هذا الدير، أن أصلّي من أجل السلام”.

 

أما عن زراعة العنب فيرى أنها “ترمز إلى الأمل، إذ لو علمنا أن هذه الأرض ستُقصف غدا ولن تعود موجودة لما قمنا بهذا العمل”.

 

في أجواء هادئة، يحمل المتطوعون صناديق وضعت فيها شتلات العنب لزراعتها في صفوف طويلة في قطعة أرض لم تطلها نيران الحريق.

 

وكان الرهبان يوزعون الشتلات ويغرسونها بلطف في التراب.

 

وتقول المتطوعة نوغا إشيد (74 عاما) والتي أتت من تل أبيب “الزراعة شيء ممتع، نحن نزرع والغرسة تنمو وتثمر، الثمار ستنتج النبيذ والنبيذ يفرح قلب الإنسان”.

 

وتضيف وهي تمسك بمجراف يدوي “تجعلني هذه التجربة أتواصل مباشرة مع الطبيعة، أرى الناس يلمسون الأرض والتراب وهذا ليس شائعا في أيامنا، أصحبنا منفصلين تماما عن الطبيعة”.

 

وتصف إشيد التي تطوعت في مرات سابقة في الدير، الرهبان بأنهم “أصدقاء”.

 

ينتمي الرهبان في دير اللطرون لجماعة “الترابيون” (ترابيست) الكاثوليكية التي تعتمد التأمل والبساطة.

 

“توكلنا على الله” 

في 30 نيسان/أبريل الماضي، اندلعت حرائق غابات وانتشرت بسرعة كبيرة بفعل درجات الحرارة المرتفعة والرياح القوية، في الأحراج الممتدة على طول الطريق السريع بين القدس وتل ابيب.

 

ووصلت ألسنة النار حتى أطراف دير اللطرون، حينها اضطر الرهبان المقيمون فيه وعددهم نحو عشرين إلى إخلائه.

 

يقول الأخ أثناسيوس لفرانس برس “كان الأمر صعبا للغاية، لأننا لسنا معتادين على مغادرة الدير، لدينا بعض الإخوة المسنين” أيضا.

 

وأعترى الرهبان خوف كبير من احتراق الدير بالكامل على ما يقول، إلا أن النيران لم تأت على المبنى بل دمرت مساحات واسعة من أراضيه الزراعية.

 

فبالإضافة إلى كروم العنب، يضم دير اللطرون حوالى 5 آلاف شجرة زيتون، احترق منها ألف شجرة تقريبا بشكل كامل.

 

ويقدر الأخ أثناسيوس أن نحو 70 في المئة من أشجار الزيتون تضررت بدرجات متفاوتة وستحتاج إلى حوالى أربع سنوات للتعافي بعد الحريق.

 

العام الماضي، بلغ إنتاج الدير من زيت الزيتون 3 أطنان، أما هذا العام فيقول أثناسيوس إنه “لن يكون هناك إنتاج”.

 

ويضيف وسط الأشجار المحترقة “الأمر صعب علينا لأننا نعيش من إنتاجنا… لكننا لسنا خائفين، لأن الحياة دائمًا تجد طريقها للاستمرار”.

 

ويعرب عن امتنانه للمساعدة التي قدمها المتطوعون مشددا على أهمية “أن يعرف الناس أن هناك من يُحب الرهبان في الأرض المقدسة”.

 

وتساهم التغيرات المناخية في ارتفاع درجات الحرارة وتراجع كميات الامطار وزيادة تكرار الظواهر الجوية القصوى.

 

وفي الكرم المزروع حديثا، يقول الأب ألويس إنه يأمل أن لا يواجه الدير حريقا مدمرا مماثلا في المستقبل.

 

ويضيف أنن الرهبان باتوا أكثر استعدادا الآن، خصوصا بعد تركيب نظام مياه جديد.

ويقول “في النهاية، نتوكل على الله”.