لقطة من هوية لبنان… في “مترو المدينة”

في زمن ترتفع فيه الأسلاك الشائكة بين الثقافات، قامت فرقة لبنانية صغيرة بفعل عكسي تماماً: مزجت ما لا يُمزج، ووحّدت بين نقيضين في حوار موسيقي لا يشبه إلا لبنان. من جهة، دفء الأغنية الشرقية ونبض العود، ومن جهة أخرى، التوازن الصارم والمهيب للموسيقى الباروكية الآتية من قلب أوروبا. والنتيجة؟ حالة من الانسجام العميق، لا تفسير لها إلا أنها وُلدت من شغف حقيقي بالحوار والجمال.
لم يكن المشهد عادياً في مسرح “مترو المدينة”.
الجمهور، بحماسته وصمته المترقب، لم يأتِ ليستمع فقط، بل ليشهد على تجربة. تجربة يقودها جو ضو، ذلك الموسيقي الذي لا يرى في التقاليد جدراناً، بل جسوراً. برفقة المؤلفة الإيطالية فرنشيسكا سوانا، أعاد تشكيل مقطوعات لرامو وفيفالدي وكوريللي، وأضاف إليها نكهة المشرق: رنين، وتموّج الإيقاعات العربية.
ثم تدخل نادين حسن، ليست فقط مغنية بل راوية من نوع آخر، تنقل الصوت من ضفاف الباروك إلى ضوء الصباح في أغنيات فيروز، وحنين أسمهان، ودفء عبد الوهاب. صوتها ليس تقليداً ولا محاولة للدمج، بل فعل ولادة جديدة لأغانٍ نعرفها، نسمعها الآن كما لم نسمعها من قبل.
مسرح مترو المدينة (النهار)
ولأن كل مشروع أصيل يحتاج إلى دعم يتجاوز التصفيق، جاء هذا العمل بدعم من السفارة الإيطالية في بيروت، وبشراكة ثقافية تعبّر عن رغبة في أن يظل لبنان ساحة لقاء لا موضع انقسام.
هذا العرض الذي لا يُصنَّف بسهولة، لا هو حفلة طرب، ولا هو أمسية كلاسيكية، يبدو ببساطة مشهدا من هوية لبنانية المعقدة، تنتمي إلى الشرق والغرب في آنٍ واحد، وتعيد تعريف الفن لا كموروث ثابت، بل ككائن حيّ، يتنفس التجدّد.
فهل يبقى هذا اللقاء الاستثنائي محصوراً بليلة واحدة؟ أو أنه سيحمل صوته إلى مناطق أخرى، وجمهورٍ آخر، ليفهموا من خلاله أن لبنان، رغم كل شيء، لا يزال قادراً على أن يكون لغة ثالثة بين لغتين متناقضتين؟
· الحفل من تنظيم les cordes resonnantes