“تحت الأرض” لكريستينا كيروز… عندما يتحدث الألم عبر سطور الكتب

ليست أغنية “تحت الأرض” مجرّد عمل موسيقي يفتتح ألبوماً جديداً، بل مقاومة داخلية بوجه التواطؤ مع الألم، ورفض للمساومة على الكرامة. ففي هذا العمل، تتجسّد فصول من ذاكرة وطن بأكمله، صوته مكبوت ووجعه مزمن، لتأتي الأغنية مرآة صادقة لواقعٍ متوارث بين الأجيال في لبنان.
“تحت الأرض” هي باكورة الأعمال في ألبوم ميّزها الموضوع كما اللهجة، من بين مجموعة أغنيات آتية تتناول خواطر وشجوناً إنسانية باللغة الفصحى، للفنانة اللبنانية كريستينا كيروز، ومن كتابة ريمي كابريال.
في حديث خاص لـ “النهار”، أعربت كيروز عن الرسالة التي تسعى لإيصالها من خلال أغنيتها الجديدة، التي عملت عليها منذ سنوات كأوّل عمل في ألبومها الشعري-الغنائي، قائلة: “أردت أنا وكابريال من هذه الأغنية أن تكون صدى لكل من خُطف صوته، عانى ظلماً، وقارع فساداً، سواء على الصعيد الشخصي، في بيته، أو عمله، أو محيطه، أو علاقاته مع الآخرين أو مع نفسه، أو على الصعيد الوطني الشامل، وهو الإطار الذي آثرنا تقديمه ضمنه، باللهجة اللبنانية المحكية، لنُحاكي واقع شعب بأكمله وبلسان حاله”.
فيديو كليب أغنية
وأكدت أن “هدف الأغنية فضحُ زيف واقع بديل يُفرض منذ المهد، فيلوّث ثقافة العيش ومغزى الوجود عبر سرديات مثل: “حتميّة الغموض”، و”قدسيّة القيود”، و”وسام الصمود”.
وحول ارتباط الأغنية بالأزمات التي عصفت بلبنان في السنوات الأخيرة، أوضحت كيروز: “أردنا توثيق تاريخ يتكرّر، وعناوين تُستنسخ بأرقام وتواريخ مختلفة. فكم من عدد تهجّى دماراً وإعادة إعمار، وكم من مندوب شجب، واستنكر، وأدان، وندّد، وكم من وصاية تربّعت على صفحاتنا الأولى”.
وتابعت: “أردنا من خلال الكليب تصوير ورفض عوارض “الفخر بالذل”، من طوابير خبز أفقدت الطعم، إلى طوابير وقود أحرقت الوقت، وطوابير سفارات كسرت الخاطر، ومصارف أهدرت الرزق. حتى بات الشعب يستجدي من آلات الصرّاف الآلي، علّ في برمجتها رأفة نفتقدها عند من ائتُمنوا على أعمارنا”.
وعن استخدام الجرائد الورقية كعنصر بصري لافت في الكليب، قالت كيروز: “ما من شاهدٍ أصدق على تكرار هذا النمط من الصحافة المكتوبة، التي عانت بدورها تهديداً وتشفيراً واستثماراً، ولا سيما الجرائد، بمقالاتها التي تصف وترجو وتمدح وتهجو، وتحفظ عناوين دراماتيكية يُعاد تكرارها من جيل إلى آخر، كأنها ثوبٌ رثّ لا يكسو عورة. فهي تروي قصة شعبٍ فهم الخيوط والخطوط التماسيّة، وتغاضى عنها كوسيلة ليُصلح رداءه. فأضحينا نلبس فقط ما يُحاك لنا”.
في ختام الكليب، تظهر عبارة: “مأساة، والتاريخ يعيد نفسه”، فهل ترى في العهد الجديد مؤشّرات لمسار مختلف؟
تجيب كيروز: “كلبنانيين، لا نحيا بالخبز فقط، بل على فتات أمل، ولو أثبت مرارته مراراً. حبر هذه الأغنية عمره من عمرنا، كُتبت على أوراق نقدية فُقدت قيمتها، ولُحنت على دويّ فسكون، صُوّرت على ضوء شموع المآسي والشغور الرئاسي. وإن طُرحت اليوم، فهي سبقت العهد الجديد ووعد القيامة”.
وأضافت: “مع كل التمنيات بالتوفيق لمن صَفَت نياته، فإن الداء لا يكمن في الأسماء والمناصب فقط، بل في النمط والتفكير المتوارث. فحتى لو كان قائد الأوركسترا هو الأبرع، فعبثاً يحاول إن لم يرق للعازفين إيقاعه، فتراهم يؤلفون مقطوعاتهم و”إقطاعاتهم”، وإن كانت الآلات غير مدوّزنة، عن قصد أو بغير قصد؛ وإن تعوّد الجمهور على النشاز فصفّق له، وطالب به، وإن كان المنتجون يؤازرون العازفين المقرّبين لا العمل بأكمله، فإن النتيجة واحدة: معزوفات دامية تلو الأخرى”.
تتمسك كيروز بخيط الأمل لنجاة لبنان، فتقول: “على رجاء أن يتغيّر هذا النمط، وبهذه الجرعة من أمل مرّ، نغني تحت الأرض”.