مصر تعيد استغلال معالمها التاريخية في القاهرة

منذ نحو ربع قرن، ثمة مخطط استراتيجي وضعته الهيئة العامة للتخطيط العمراني لتطوير القاهرة في عام 2008 أثناء أطلاق مخطط القاهرة 2030، ثم أصبح في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي مخطط القاهرة 2050، واليوم يلقبه البعض بمخطط “القاهرة الخديوية” التي تضم نحو 500 مبنى تاريخي وأثري مُسجلة رسمياً في قاعدة بيانات الحكومة المصرية، ويعمل رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي حالياً على تنفيذ مخطط القاهرة الخديوية الذي كان يسعى الى تطبيقه منذ كان رئيساً للهيئة العامة للتخطيط العمراني، فما هو مخطط القاهرة الخديوية، وهل سيتم طرد الأهالي من مساكنهم لتنفيذ أعمال التطوير، وما هو مصير 34 مبنى حكومي ما بين أثري وعادي نقلت إلى العاصمة الإدارية، وكيف تستثمر مصر مباني القاهرة التاريخية؟
لماذا القاهرة الخديوية؟
يرجع اسم القاهرة الخديوية إلى العهود الخديوية الثلاثة خلال المرحلة الزمنية من منتصف القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، كانت البداية عندما قرر الخديوي إسماعيل تحويل القاهرة (قلب مصر النابض ومركز الحكم) إلى مدينة عالمية تتمتع بطراز عمراني فريد على شاكلة “باريس هاوسمان الجديدة” في ستينات القرن 19، فاستدعى حينها معماريين أجانب من فرنسا وإيطاليا والنمسا وبريطانيا ليتعاونوا مع رواد العمارة المصريين في تخطيط القاهرة. وبالفعل نقل إسماعيل معالم باريس إلى القاهرة لتصبح “القاهرة الإسماعيلية”، وجاء من بعده الخديوي توفيق وأنشأ التوفيقية، ومن بعده الخديوي عباس حلمي الثاني الذي أسس المتحف المصري وبنك مصر والعديد من العمارات الخديوية في شارع عماد الدين.
يُذكر أن “القاهرة الخديوية” أو كما يطلق عليها البعض “القاهرة المملوكية” مُسجلة بصفتها منطقة تراثٍ عالمي استثنائي في منظمة اليونيسكو منذ عام 1979، إذ تضم آثارًا إسلامية وقبطية في مناطق عدة مثل الفسطاط ومقابر الإمام الشافعي وجبانة المماليك والمنطقة القبطية والحسين والسيدة زينب والسيدة عائشة.
مخطط تطوير القاهرة (هيئة التخطيط العمراني)
مصير المقار الحكومية
مطلع عام 2024 الماضي، أصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قراراً جمهورياً بإزالة صفة النفع العام عن أراضي 13 وزارة ومبانيها، ونقل ملكيتها لمصلحة صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية (الذراع الاستثمارية لمصر)، تمهيداً لطرح مبانيها للاستثمار، وهي الوحدات الإدارية لوزارة التنمية المحلية في غاردن سيتي، مقر وزارة السياحة والآثار في الزمالك، مقر وزارة النقل بشارع قصر العيني، مقر وزارة التربية والتعليم بشارع الفلكي، مقر وزارة وهيئة الإنتاج الحربي في شارع إسماعيل أباظة، المقر القديم لوزارة التضامن الاجتماعي أمام مجلس الشيوخ، مقر وزارة التموين والتجارة الداخلية في شارع قصر العيني، وزارة الإسكان في شارع إسماعيل أباظة، وزارة الصحة والسكان أمام مجلس النواب، مقر مبادرة التجارة الخضراء بشارع قصر العيني.
واليوم وصل عدد الوزارات المقرر نقلها إلى العاصمة الإدارية الجديدة إلى 34 وزارة أبرزها الخارجية والداخلية والمال والنقل والإسكان والشباب والتضامن الاجتماعي والطيران المدني والكهرباء والاتصالات.
يقول الدكتور سيف الدين فرج، خبير الاقتصاد العمراني والتقييم العقاري لـ”النهار” إن القاهرة الخديوية ستتحول إلى متحف أثري كبير يحمي تاريخ مصر العمراني وتراثها ومركز استثماري وسياحي يجذب الاستثمار الأجنبي.
.jpg)
أسود كوبري قصر النيل في القاهرة (وكالات)
هل تتحوّل القاهرة الى “داون تاون دبي”؟
وبسؤاله عن تصريح رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار بشأن تطوير القاهرة الخديوية على مساحة تصل إلى 50 فداناً على غرار “داون تاون دبي” الذي يستقطب أكثر من 120 مليون زائر سنوياً، قال خبير الاقتصاد العمراني إن الحكومة المصرية كلفت بالفعل مكتباً استشارياً وضع رؤية متكاملة لتطوير منطقة وسط البلد، ولكن بما يحفظ قيمة مباني مصر التراثية بل يزيد أيضاً عائدتها، وذلك من خلال تحويل بعض المباني إلى فنادق بفئات متنوعة بدءاً من 5 نجوم وحتى نجمتين فقط، لضمان جذب جميع فئات السائحين، قائلاً: “السائح العربي فقط هو من يفضل الفنادق الفاخرة، إنما السائح الأجنبي فيفضل الفنادق المتوسطة والمخفوضة التكلفة، لأن هدفه الأساسي هو زيارة المناطق السياحية”، وعليه سيتم تحويل بعض المباني إلى فنادق مثل مجمع التحرير ومباني وزارة الخارجية على كورنيش النيل، فيما تحول المباني الأخرى الى مساحات تجارية واستثمارية وبازارات ومناطق ترفيهية وسياحية.
وبسؤال عن منطقة مثلث ماسبيرو التي أصبحت كتلاً أسمنتية ضخمة أثارت مخاوف البعض من عدم تحمل البنية التحتية للكثافة السكانية المرتقبة في هذه المنطقة، أكد أنه كان أحد القائمين على تخطيط منطقة مثلث ماسبيرو وتطويرها، وأن البنية التحتية لهذه المنطقة آمنة وتستطيع أن تصمد لأكثر من 100 عام مقبل، وأن المباني الجديدة ليست إدارية فحسب بل فيها وحدات سكنية أيضاً، مؤكداً أنه لن يحدث أي تكدس مروري لأن المنطقة فيها العديد من الكاراجات المتعددة الطلقة، كما أن الكثافة السكانية في وسط البلد انخفضت بمعدلات كبيرة تتخطى 30% منذ نقل المقار الحكومية إلى العاصمة الإدارية.
تهجير أهالي القاهرة
نفى سيف الدين فرج قطعاً ما يتردد من شائعات عن نقل أهالي القاهرة إلى مناطق بديلة قسراً، قائلاً إن السكان الأصليين لن يتم نقلهم إلا في بعض الحالات الاستثنائية يتم نقلهم بشكل موقت الى حين الانتهاء من أعمال التطوير ثم إعادتهم مرة أخرى لالى ساكنهم، وفي حالات أخرى يتم تعويض السكان مالياً أو بوحدات بديلة بقيمة وحداتهم السابقة نفسها في حالة موافقة الطرفين.
ولفت أستاذ التخطيط والاقتصاد العمراني إلى نقل أهالي المناطق العشوائية الى مدن جديدة مخططة بشكل سليم وعلمي، مثلما حدث عندما نقلت 2,000 أسرة من منطقة بطن البقرة ومنشأة ناصر والحرفيين إلى حي الأسمرات، وهذا لا يعد نزعاً للملكية لأن المباني في الأساس عشوائية ويجب إزالتها، على حد قوله.