لماذا أصدرت واشنطن تحذيراً بخصوص “داعش” في السويداء؟

في موقف أميركي يحمل نبرة مختلفة منذ لقاء الرئيس دونالد ترامب والرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، في أيار/مايو الماضي، كتب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في تغريدة على منصة “إكس”: “إذا أرادت السلطات في دمشق الحفاظ على أي فرصة لتحقيق سوريا موحدة وسلمية وخالية من ’داعش‘ والسيطرة الإيرانية، فعليها أن تستخدم قواتها الأمنية لمنع ’داعش‘ والجهاديين العنيفين من دخول السويداء وارتكاب المجازر”.
مسلحون من العشائر في السويداء. (أ ف ب)
هذا التحذير الواضح من احتمال تسلل عناصر “داعش” أو جهاديين آخرين إلى المنطقة لارتكاب مجازر، يدلّ على أن واشنطن إما تخشى استغلال الإرهابيين لحالة الفوضى التي ترافق “النفير العشائري”، أو تعتبر أن أي تحرّك مسلح غير نظامي يمثّل فرصة سانحة للتنظيمات المتطرفة لتنفيذ هجمات تستهدف الأقليات، مما يتطلب تدخلاً من الدولة لسدّ هذه الثغرات.
وفي حادثة موثّقة، نشر أحد عناصر “داعش” مقطع فيديو يظهر إحراقه مبنى كبيراً في أرض زراعية بريف السويداء، وقال المعرّف الذي نشره: “الذئاب المنفردة مستغلةً الفوضى تصول وتجول في قرى السويداء، تنكّل وتأسر وتقتل وتحرق”.
وقد سُجّلت في السويداء جرائم فظيعة لا تُرتكب عادةً إلا على يد “داعش”، مثل ذبح مدنيين من أعناقهم، وهي أساليب أصبحت “علامة” خاصة بالتنظيم. ورصدت “النهار” مقطع فيديو يُظهر ذبح شاب يافع من أبناء السويداء بطريقة وحشية، فيما أظهرت مقاطع أخرى عناصر يفترض انتماؤها للعشائر وهي تحمل سكاكين حادة.
وكان لـ”داعش” خلال سنوات الحرب السورية، وخصوصاً بين 2013 و2018، علاقات قوية مع العديد من عشائر شرق سوريا، بل إن كثيراً منها بايع التنظيم رسمياً، وشكّل جزءاً من قواته قبل أن يُهزم في معركة الباغوز في ربيع 2019، وتبدأ عملية انسحاب جماعي لأبناء العشائر من صفوفه.
غير أن هذا الانسحاب لا يمكن تقييمه بسهولة: فهل هو تخلٍّ فعلي عن فكر “داعش”، أم مجرّد انسحاب تكتيكي بدافع النجاة؟
وخلال السنوات التي أعقبت الهزيمة، أُفرج عن مئات من أفراد التنظيم المعتقلين في سجون “قوات سوريا الديموقراطية” بوساطات عشائرية، مما يُبقي احتمال عودة بعضهم إلى النشاط تحت غطاء عشائري واردة بقوة.
ويُرجَّح أن يكون “داعش”، الذي سبق له تكفير حكومة الشرع صراحة، قد قرر مواجهة هذه الحكومة بطرق جديدة، بينها استغلال الفوضى والنفير الشعبي لارتكاب مجازر تُحرج الحكومة أمام المجتمع الدولي.
المفارقة أن وزارة الداخلية لا تزال تتعامل مع تنظيم “سرايا أنصار السنة” باعتباره تنظيماً وهمياً، رغم تبنّيه تفجير كنيسة الدويلعة وحريق قسطل معاف في ريف اللاذقية. وأشارت الوزارة إلى أن “أنصار السنة” قد يكون مجرد غطاء لـ”داعش”، متهمة الأخير بالوقوف وراء تفجير الكنيسة.
وفي 15 تموز/ يوليو الجاري، أي قبل يوم فقط من إعلان “الفزعة العشائرية”، أصدر تنظيم “سرايا أنصار السنة” بياناً قال فيه: “ما فعله مجاهدونا قبل أشهرٍ من قتلٍ وتنكيلٍ وتشريدٍ في صفوف الطائفة النصيرية، سنعيده – بإذن الله – في الأيام القادمة في ديار الكافرين من أصحاب الديانة الدرزية في أرض السويداء”، ووقّع البيان أبو عائشة الشامي، القائد العام للتنظيم.
ورغم وضوح هذا التهديد، لم تتخذ وزارة الداخلية أي إجراء وقائي، ولم تلتفت إلى أنّ “داعش” ربما يكون مصدره.