إحباط خطة تقسيم سوريا: المسؤولية تقع أولاً على عاتق الولايات المتحدة

وقع الخطأ التاريخي بين الحكم السوري في دمشق وفصائل الدروز في السويداء، خطأ ما كان يجب أن يُرتكب أو يسمح به الطرفان، لأن اصلاحه سيستغرق زمناً طويلاً وليس لدى سوريا الجديدة الكثير من ترف الوقت. فبعد حوادث الساحل التي لم يصدر بعد تقرير لجنة تقصّي حقائقها في المواعيد التي حُدّدت سابقاً، كذلك بعد التعقيدات المستجدة بين دمشق و”قسد” (قوات سوريا الديموقراطية)، جاءت حوادث السويداء لتؤكّد أن هدف إعادة توحيد سوريا والسوريين ابتعد أكثر وزاد تأجيلاً.
ما قيل عن “خدعة” أو “مكيدة” اسرائيلية تعرّضت لها الحكومة السورية، خلال الاتصالات غير المباشرة بين الطرفين في باكو (أذربيجان)، أكّدته إسرائيل بترتيب السيناريو المناسب (بعنوان “حماية الدروز”) لشنّ هجمات جوّية وقصف وزارة الدفاع ومحيط القصر الرئاسي في دمشق. لكن الخدعة لا علاقة لها بالتجاوزات والانتهاكات والإهانات التي أقدمت عليها عناصر وُصفت بأنها “رديفة” للجيش والأمن العام، ولا تفسير لوجودها إلى جانب القوات الحكومية أو لمَن أجاز لها تنفيذ إعدامات ميدانية والتنكيل بالمدنيين. فمثل هذه العناصر وُجد أيضاً على مسرح العمليات في الساحل ونُسبت اليه الفظائع، وفي الحالين تمكن من ضرب سمعة قوات السلطة وإفساد الهدف الرئيسي: بسط سلطة الدولة.
لكن ماذا عنى أيضاً الحديث عن “خدعة” إسرائيلية؟ عنى بكل وضوح أن الجانب السوري بحث مباشرة أو مداورة عن “موافقة” إسرائيلية على تمكينه من دخول السويداء. هل كان يمتحن جدّية الإسرائيليين في اعتبار المنطقة ما بعد جنوب دمشق “منزوعة السلاح” و”محرمة” على القوات الحكومية، وهل قرّر التحرك نحو السويداء بعدما فهم أن الإسرائيلي لا يُلزمه بطلب إذن كي يرسل قواته إلى منطقة سورية، أم أنه أساء تقدير التصريحات الأميركية وتفسيرها؟ أيّا تكن الإجابات فمن الواضح أن الإسرائيلي استغلّ الحدث، لا لمجرد تسجيل نقاط في هيمنته على جنوب سوريا، بل خصوصاً لتكريس الأمر الواقع الذي أنشأه والإصرار على ما بعده من أهداف “معلنة” يريد تحقيقها بالقوّة: تفكيك سوريا وتقسيمها.
كانت إذاً مواجهة سورية – إسرائيلية حول السويداء، ولأنها كذلك اضطرّت الإدارة الأميركية للتدخّل بعد إلحاح من الرياض وأنقرة وغيرهما. وكما عجز دونالد ترامب عن انتزاع موافقة بنيامين نتنياهو على “إنهاء الحرب” في غزّة، لم يكن سهلاً عليه أن يقنع حليفه/ صديقه بوقف الهجمات على سوريا وإتاحة التوصّل الى وقفٍ للنار. كان انسحاب القوات الحكومية من السويداء مؤشّراً إلى من استطاع فرض إرادته، ومع ذلك حرص نتنياهو على تسجيل انتصارٍ له قائلاً إن وقف النار “انتُزع بالقوة وليس من خلال المطالب والاسترحام”.
في الوقت نفسه، راحت مصادر واشنطن تكرّر أنها محايدة وغير داعمة لإسرائيل في تعرّضها المباشر للدولة السورية. لكن المراهنة الأميركية الحالية على الحكم الجديد في سوريا باتت تتطلب إلزام إسرائيل “خطوطاً حمراً” في ما خصّ سوريا، لأن استمرار نتنياهو وحلفائه المتطرّفين في دورهم التخريبي من دون موقف أميركي واضح قد يؤدّي إلى نتائج عكسية يفرضها نتنياهو على ترامب ويستدرجه إلى تأييدها.
اتهم الرئيس أحمد الشرع إسرائيل بـ”محاولة تقسيم سوريا”، إذ “تسعى إلى تحويلها ساحة فوضى غير منتهية”، وإلى “تفكيك وحدة شعبنا وإضعاف قدراتنا على المضي قدماً في مسيرة إعادة البناء والنهوض”. وعندما كرّر الشيخ حكمت الهجري مرّتين خلال ثلاثة أشهر مطالبته بـ”الحماية الدولية” وسط تفاعل ساخن من جانب الشيخ موفق طريف معها في إسرائيل، لم يكن ذلك مجرد مصادفة بل أكّد أن هناك تواصلاً عميقاً جرى إنضاجه إسرائيلياً مع الدروز على جانبي الحدود وأصبحت له بنية سياسية وعسكرية، ولا ينتظر سوى الظرف المناسب لـ”مأسسته” بموافقة دمشق أو رغماً عنها.
قد يكون هناك رأيان بين دروز جبل العرب (مع البقاء في الدولة السورية أو مع الانفصال عنها)، لكن شعور أبناء الطائفة أنهم مستهدفون يوحدهم. يسري ذلك على الأكراد والعلويين وغيرهم، ولا خيار أمام دمشق سوى تغليب السياسة والحوار على استخدام القوّة.
بموازاة ذلك، إذا استمر الغموض الأميركي حيال مستقبل سوريا، مع استمرار الدعم التقليدي المطلق لإسرائيل في تعاملها الحالي مع أطراف الإقليم، فهذا يعني أن أميركا لن تردع إسرائيل في سعيها إلى تقسيم سوريا من خلال الدروز والأكراد (ألم يطالب الشيخ الهجري بفتح ممر بين السويداء ومنطقة “قسد”؟). فبين وزير يعتبر “نظام الفيدرالية اللامركزي هو الأنسب لسوريا” (جدعون ساعر)، ووزير يعلن أن الحملة العسكرية لن تنتهي قبل تحقيق أهداف بينها “تفكيك سوريا” (بتسلئيل سموتريتش)، تكثر السيناريوهات عن كانتونات أربعة ودعوات إسرائيلية إلى “مؤتمر دولي”، وإلى تركيا وغيرها، لـ”تقاسم النفوذ” في سوريا. المشكلة أن عناصر التقسيم ضاغطة أكثر من عناصر التوحيد.