الأزمة الأمنية في جنوب سوريا… لا حل دون توافق بين دمشق وتل أبيب؟

الأزمة الأمنية في جنوب سوريا… لا حل دون توافق بين دمشق وتل أبيب؟

عاد الهدوء ليُسيطر على السويداء، بعد أسبوع من المواجهات الدامية بين الفصائل الدرزية المحلية من جهة، والقوات الحكومية وعشائر البدو من جهة أخرى، إثر اتفاق لوقف إطلاق النار يقضي بتسليم جزء من السلاح وانسحاب العشائر ودخول قوات وزارة الداخلية. لكنّ قلقاً يسود بشأن صمود الاتفاق من عدمه، لكون الاتفاقات السابقة لم تلتزم بها الأطراف كافّة.

بالموازاة، ثمّة عوامل عديدة تغيّرت، وقد تلعب دوراً في إنجاح الاتفاق. من الناحية الدرزية، دفعت الطائفة ومجموعاتها المسلّحة أثماناً بشرية ومادية باهظة، وأيقنت أنها تواجه وحدها من دون مؤازرة أو خطوط إمداد، رغم الضربات الإسرائيلية التي لم تشكّل إطار حماية؛ فإسرائيل لم تمنع قوات وزارة الداخلية والعشائر من مهاجمة السويداء، فيما اكتفت بمنع قوات وزارة الدفاع ذات الأسلحة الثقيلة من الاتجاه إلى الجنوب، مما أكّد واقع أن إسرائيل تتدخل لحماية حدودها لا الدروز.

من الناحية الحكومية السورية، رسمت إسرائيل خطوطاً حمراء عريضة. وزارة الدفاع وقواتها وسلاحها الثقيل ممنوعون من الدخول نحو الجنوب السوري، لضمان أمن إسرائيل، والمجتمع الدولي ليس راضياً عن الممارسات ضدّ الأقليات، مما وضع السلطات السورية الجديدة في موقع حرج أمام المجتمع الدولي ودفعها إلى التراجع عن الهجمات المباشرة.

الصحافي السوري روج موسى تحدّث إلى “النهار” عن العوامل الخارجية التي دفعت نحو وقف الاشتباكات. ولفت إلى ضغوط ديبلوماسية على السلطات السورية، أميركية بشكل خاص، “حملت لهجة حادة وتهديدية” ورسائل “قاسية”. لكن صمود الاتفاق مرهون بكيفية “تعاطي الدروز مع قوات الأمن العام وآلية انتشارها”، وفق ما تقول مصادر درزية لـ”النهار”.

ثمّة بعض المحلّلين الذي يعتبرون أن دوامة العنف في الجنوب السوري لن تنتهي إلّا مع توصّل إسرائيل وسوريا لاتفاق أمني أو تطبيع سياسي، وهي تفاهمات من المؤكّد أنها ستشمل الوضع الأمني في الجنوب السوري القريب من إسرائيل؛ وحتى ذلك الحين، فإن الصراعات قد تستمرّ، خصوصاً أن إسرائيل “تستثمر” في الوضع الأمني والسياسي الهشّ، وتريد تمرير مشاريعها الإقليمية من خلال هذه التوترات.

 

بدو في السويداء (أ ف ب).

 

موسى يوافق على هذه النظرية، ويقول إن دوامة العنف العسكري “لن تنتهي” إذا لم يتوفر حلّ سياسي وأمنيّ لجنوب سوريا. ويُشير في هذا السياق إلى نقطة تضاف إلى توترات السويداء، وهي توغّل القوات الإسرائيلية في القنيطرة واقترابها من دمشق. ويذكّر بأن معضلة الجنوب السوري قديمة، ونظام بشّار الأسد لم يتمكّن من حلّها، وقد أوكل المهمة لروسيا وإيران حينها.

بالتالي، ثمّة قلق من عودة التدخّل الإسرائيلي بشكل أو بآخر من أجل بعث النار من تحت الرماد، وإعادة توتير الوضع الأمني في السويداء. وفي هذا السياق، يقول موسى إن إسرائيل “ستحاول تعزيز الانقسام في الجنوب السوري”، وهي عملت في الأيام الأخيرة على هذا الخط، “فلم تستهدف” العشائر التي اتجهت نحو السويداء، مما يؤكّد فرضية أن إسرائيل “لا تريد أن تحمي الدروز بل خلق الفوضى في الجنوب السوري لإرساء وضع أمني جديد”.

المخاوف من المخططات الإسرائيلية تمتدّ من الجنوب السوري حتى الشمال الشرقي، حيث تتجه الأنظار نحو الإدارة الذاتية الكردية واحتمال تكرار سيناريو السويداء والساحل هناك. وإذ يقول موسى إن إسرائيل “تريد توريط” الأكراد في الصراع، يشدّد على أن الولايات المتحدة وفرنسا اللتين ترعيان المفاوضات بين قسد والسلطات السورية “لن تقبلا” بالتصعيد بين الطرفين.

بالمحصلة، فإن الوضع الأمنيّ هدأ مبدئياً، والأوضاع متّجهة نحو الاستقرار مع تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، لكن العين على آليات التنفيذ من جهة والمخاوف من عمليات ثأرية تعيد السويداء إلى حمامات الدم. ويبقى القلق الأخطر من المشروع الإسرائيلي في الجنوب السوري، والذي قد يحمل المزيد من الحرب إلى أن يتم التوصّل لاتفاق.