ما هي المعلومات المتاحة عن أحداث العنف في السويداء؟

تشهد محافظة السويداء في جنوب سوريا هدوءا حذرا غداة إعلان السلطات وقفا لإطلاق النار، أعقب أسبوعا من اشتباكات دامية أوقعت أكثر من ألف قتيل، وسلطت الضوء مجددا على تحديات تواجهها السلطة الانتقالية منذ توليها الحكم.
واندلعت الاشتباكات في 13 تموز/يوليو في معقل الطائفة الدرزية بين مسلحين محليين وآخرين من البدو السنّة على خلفية خطف تاجر درزي. ومع احتدام المواجهات، أعلنت القوات الحكومية الإثنين تدخّلها لفضّ الاشتباكات، لكن بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان وفصائل درزية، فقد تدخلت هذه القوات إلى جانب البدو.
وتخلل انتشار عناصرها في السويداء إعدامات ميدانية طالت عشرات المدنيين وانتهاكات ونهب ممتلكات، وفق المرصد وشهادات سكان ومقاطع فيديو التقطها المرتكبون أنفسهم.
وسرعان ما تفاقم الوضع مع شنّ اسرائيل التي تعهدت مرارا بحماية الدروز، ضربات طالت مقار رسمية في دمشق وأهدافا عسكرية في السويداء، مطالبة دمشق بسحب قواتها. وسبق للدولة العبرية أن حذّرت السلطات الانتقالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع، من أنها لن تسمح بوجود قواتها في جنوب سوريا على مقربة من هضبة الجولان التي تحتل أجزاء واسعة منها منذ 1967.
وإثر ضغوط أميركية واسرائيلية، سحب الشرع قواته الخميس، قبل أن تحشد العشائر السنية من مناطق عدة مقاتليها المحسوبين على السلطة، الى جانب البدو، وتتجدد الاشتباكات في السويداء حتى السبت.
وقف إطلاق نار
ليل الجمعة السبت، أعلن المبعوث الأميركي الى دمشق توم برّاك أن الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتفقا على وقف لإطلاق النار بين البلدين، بدعم من الأردن وتركيا.
ومهّد ذلك لإعلان الشرع وقفا لإطلاق النار، تزامنا مع بدء نشر السلطات قوات الأمن الداخلي في المحافظة “لوقف الفوضى وحماية المدنيين”.
وبعد أعمال عنف طالت مكوّنات عدة خلال الأشهر، كرّر الشرع في خطاب السبت التزام الدولة “حماية الأقليات” ومحاسبة “المنتهكين من أي طرف كان”.
وكان الرئيس السوري تعهّد الأمر ذاته بعيد أعمال عنف مماثلة طالت الأقلية العلوية في الساحل السوري، وأودت خلال ثلاثة أيام في شهر آذار/مارس بقرابة 1700 شخص، غالبيتهم الساحقة علويون. وشكّل الشرع على إثرها لجنة تقصّي حقائق، أعلنت الرئاسة أنه تسلّم الأحد تقريرها من دون نشر أي من خلاصاته.
في الميدان
نصّ وقف إطلاق النار، وفق الاعلام الرسمي، على انتشار قوى الأمن الداخلي في معظم الريف الغربي والشمالي لمحافظة السويداء، من دون المدن الكبرى، على أن يُصار الى فتح “معابر إنسانية” من أجل “تأمين خروج المدنيين والجرحى والمصابين” من السويداء.
وتضمن كذلك “تأمين جميع الأهالي المحتجزين من أهالي البدو والموجودين حاليا لدى مجموعات خارجة عن القانون”، وهي تسمية تستخدمها السلطات لوصف فصائل درزية.
وبينما كانت قافلة مساعدات انسانية في طريقها الى مدينة السويداء، أفاد مراسلون لفرانس برس على أطرافها عن توقف الاشتباكات صباح الأحد.
وأخلى مقاتلو العشائر الذين توافدوا من مناطق عدة دعما لمسلحي البدو، أحياء عدة من المدينة السبت، بعد تنفيذ اعدامات وحرق منازل ومتاجر بعد نهبها، وفق شهود والمرصد السوري.
وأعاد المقاتلون الدروز انتشارهم في المدينة. وقال وزير الإعلام حمزة مصطفى السبت لصحافيين إن قوى الأمن الداخلي ستنتشر في المدينة في مرحلة لاحقة.
أفراد من الطائفة الدرزية بالقرب من قرية مجدل شمس (أ ف ب)
قتلى ونازحون
أوقعت أعمال العنف في السويداء منذ اندلاعها الأحد الماضي أكثر من ألف قتيل، وفق حصيلة محدّثة نشرها المرصد.
وهو أحصى في عداد القتلى 336 مقاتلا و298 مدنيا من الدروز، بينهم 194 ”أُعدموا ميدانيا برصاص عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية”. في المقابل، قتل 342 من عناصر وزارة الدفاع وجهاز الأمن العام، إضافة الى 21 من أبناء العشائر البدوية، ثلاثة منهم مدنيون “أعدموا ميدانيا على يد المسلحين الدروز”.
وقتل 15 من عناصر القوات الحكومية جراء الغارات الاسرائيلية.
ودفعت أعمال العنف أكثر من 128 ألف شخص الى النزوح من منازلهم، وفق ما أحصت المنظمة الدولية للهجرة الأحد.
دمار في مقر الجيش السوري ووزارة الدفاع في دمشق الذي تعرض لضربات إسرائيلية (أ ف ب)
قوى دولية
شكر الشرع الذي كانت واشنطن تصنّفه حتى الأمس القريب “ارهابيا” وفرضت عقوبات على سوريا خلال حقبة الحكم السابق، السبت الولايات المتحدة على ”الدور الكبير” من خلال “تأكيدها الوقوف إلى جانب سوريا في هذه الظروف الصعبة”، مشيدا كذلك بجهود دول عربية وداعمته تركيا وأطراف أخرى.
وحضّ وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو السلطات على “محاسبة أي شخص مذنب بارتكاب الفظائع وتقديمه إلى العدالة، بمن فيهم من هم في صفوفها”.
ودعا الاتحاد الأوروبي السلطات الانتقالية الى أن “تتحمّل مع السلطات المحلية مسؤولية حماية كلّ السوريين، بلا أيّ تمييز”.
وذكّرت باريس “بأهمية التزام السلطات الانتقالية إجراء تحقيق في الانتهاكات غير المقبولة المرتكبة بحق المدنيين، والتي يجب تحديد المسؤولين عنها وتقديمهم إلى القضاء بسرعة”، داعية “السلطات السورية إلى ضمان أمن وحقوق جميع مكوّنات الشعب السوري، بناء على ما التزم به الرئيس أحمد الشرع”.
وشكّكت إسرائيل في قدرة الشرع على حماية الأقليات. وقال وزير خارجيتها جدعون ساعر السبت “في سوريا الشرع، أن تكون من الأقليات، الكردية أو الدرزية أو العلوية أو المسيحية، هو أمر بالغ الخطورة”.
وأضاف “لقد ثبت ذلك مرارا وتكرارا على مدى الأشهر الستة الماضية”.
وتقوّض أعمال العنف الأخيرة جهود الشرع في بسط سلطته على كامل التراب السوري بعد أكثر من سبعة أشهر على إطاحته الحكم السابق، وتعيد طرح تساؤلات إزاء قدرة السلطات على التعامل مع الأقليات على وقع أعمال عنف على خلفية طائفية طالت مكونات عدة خلال الأشهر الماضية، أبرزها العلويون.