هل يشترط ترامب ‘الحل العاجل’ لسد النهضة تقديم تنازلات من مصر؟

هل يشترط ترامب ‘الحل العاجل’ لسد النهضة تقديم تنازلات من مصر؟

تلقّت مصر تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن سعي الولايات المتحدة إلى التوصل لـ”حل سريع” لأزمة سد النهضة الإثيوبي بترحيب وتقدير رسمي واسع، إلا أن الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية في البلاد ضجّت بتكهنات وتفسيرات عدّة، ذهبت في معظمها إلى الحديث عن وجود “مساومات” بين واشنطن والقاهرة، مقابل هذا “الحل السريع”.

 

تأتي تصريحات ترامب في وقت تشغل فيه قضية السد الإثيوبي الرأي العام المصري بصورة لافتة منذ أيام، وتحديداً بعد إعلان أديس أبابا رسمياً موعد تدشين السد في أيلول/سبتمبر المقبل، وسط شعور متنامٍ لدى كثيرين بأن الأزمة باتت أمراً واقعاً لا مفرّ منه، في ظل غياب حل واضح في الأفق.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مساء الثلاثاء، إن بلاده “تُقدّر حرص الرئيس ترامب على التوصل إلى اتفاق عادل يحفظ مصالح الجميع حول السد الإثيوبي، وتأكيده على ما يمثله النيل لمصر كمصدر للحياة. وتجدد مصر دعمها لرؤية ترامب في إرساء السلام العادل والأمن والاستقرار لجميع دول المنطقة والعالم”.

 

 

وكان ترامب قد تعهّد الإثنين بإيجاد “حل سريع” لأزمة السد، الذي تخشى مصر من تأثيره على حصتها البالغة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل، قائلاً: “نحن وإثيوبيا أصدقاء، لكنهم بنوا سداً منع وصول المياه إلى نهر النيل (…) فالنيل منبع حياة ومورد دخل مهم للغاية لمصر”.


وتشكّل مياه النيل أكثر من 90 في المئة من الموارد المائية لمصر، البلد ذي المناخ الصحراوي الذي تندر فيه الأمطار. ومع تجاوز عدد سكانه الـ 120 مليون نسمة، انخفض نصيب الفرد من المياه إلى أقلّ من 500 متر مكعب سنوياً، أي ما دون خط الندرة المائية بكثير، بعدما كان خط الفقر المائي محدّداً بألف متر مكعب للفرد سنوياً.

عودة محسوبة

تصف المحللة السياسية الأميركية إيرينا تسوكرمان تصريحات ترامب بأنها “عودة محسوبة إلى نقطة توتر جيوسياسية حرجة”، وتقول لـ”النهار”: “تعيد هذه التصريحات إدراج الولايات المتحدة في نزاع ثلاثي متقلب بين مصر وإثيوبيا والسودان”.

 

الرئيس ترامب في البيت الأبيض – (فايسبوك)

 

وتضيف: “تشير التصريحات في الوقت ذاته إلى تحول متعمّد في النبرة الديبلوماسية، يتماشى بشكل أوضح مع وجهة النظر المصرية، ويبرز نية ترامب في إعادة فرض النفوذ الأميركي في منطقة باتت تتشكل بشكل متزايد على يد ديبلوماسية الصين وروسيا ودول الخليج”.

وترى تسوكرمان أن “اهتمام ترامب بسد النهضة ليس مجرد لفتة بلاغية عابرة، بل هو جزء من جهد أوسع لإعادة ترسيخ المصداقية الاستراتيجية لواشنطن في الشرق الأوسط وشرقي أفريقيا، وتعزيز التحالفات مع الأنظمة المحورية، وتقديم أميركا كقوة مستعدّة لاتخاذ مواقف حاسمة عندما تكون المصالح الحيوية على المحك”.

قضايا للمساومة؟

يرى عدد من الكُتاب والمحللين، إلى جانب نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، أن تصريحات ترامب تشكّل “عرضاً” ضمنياً للمساومة على بعض الملفات التي تتخذ فيها القاهرة مواقف متباينة مع واشنطن، مثل مسألة تهجير سكان غزة، وانضمام مصر إلى مجموعة “بريكس”، واستيرادها أسلحة صينية، فضلاً عن تقاربها المتزايد مع بكين وموسكو.

 

 

وتُعلّق تسوكرمان على هذا الجانب بالقول: “لا يمكن النظر إلى اهتمام ترامب بسد النهضة بمعزل عن السياق الجيوسياسي الأوسع. فالدعم الأميركي للموقف المصري قد يكون مرتبطاً، ضمنياً أو صراحة، بمواقف القاهرة من قضايا محورية أخرى”.

وتضيف: “الرسالة واضحة. في عهد ترامب، ستقف واشنطن بقوة إلى جانب حلفائها، لكنها تتوقع منهم في المقابل التزاماً مماثلاً. ومصر، بما تحمله من ثقل جيوسياسي وتعقيدات أمنية، مدعوة مجدداً للاختيار بين الانحياز المتعدد، أو الوصاية الأميركية الحصرية. وقد يكون ملف السد هو الورقة التي يستخدمها ترامب لترجيح هذا الخيار”.

واقع مائي جديد

يشير الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة، إلى أن “المرحلة الأكثر تهديداً قد تمت بالفعل، وهي مرحلة ملء خزان السد”، موضحاً في حديث لـ”النهار” بأنه “بعد امتلاء الخزان، يجب تصريف المياه الفائضة، سواء خلال تشغيل توربينات السد، أو للحفاظ على جسم السد من مخاطر الضغط الزائد”.


تخطي هذه المرحلة الحرجة قد يجعل ورقة السد أقل قوة مما يعتقده البعض، لكنه لا يلغي أهمية العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن، التي قد تكون العامل الأهم في التوصل إلى حل لهذه الأزمة “الوجودية”، وربما أيضاً في التوافق بشأن مقاربات جديدة لبعض القضايا التي تهم الولايات المتحدة، سعياً للحفاظ على علاقاتها الحيوية مع مصر.