تغير المناخ في مصر: مخاطر متزايدة وفرص استثمارية مرتبطة

تغير المناخ في مصر: مخاطر متزايدة وفرص استثمارية مرتبطة

لا تزال ظاهرة التغيّر المناخي تشكل أحد أكبر التحديات الاستراتيجية التي تواجه مصر في الأمدين المتوسط والبعيد، بالنظر إلى تأثيراته المعقدة والمتداخلة على قطاعات حيوية مثل الزراعة، والموارد المائية، والمناطق الساحلية، والصحة العامة، والطاقة، والأمن الغذائي.

وارتفع متوسط درجات الحرارة في مصر بنحو 1.6 درجة مئوية خلال العقود الثلاثة الماضية، مع توقعات بأن يصل الاحترار إلى 3 درجات مئوية خلال السنوات المقبلة، ما يعكس تسارعاً غير مسبوق في وتيرة التغير المناخي يستدعي استجابات أكثر سرعة وفعالية مما هو قائم حالياً.

تشير تقديرات المؤسسات الدولية إلى أن تجاهل اتخاذ تدابير عاجلة للتكيف والتخفيف قد يُفضي إلى خسائر اقتصادية واجتماعية فادحة، مع تهديدات مباشرة لقطاعات حيوية. ويتوقع البنك الدولي أن يؤدي استمرار ارتفاع درجات الحرارة وغياب إجراءات التكيف إلى خسارة تراوح بين 2 و6% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2060.  كذلك قُدر أن تكلفة تلوث الهواء على الصحة وحدها بلغت 1.4% من الناتج المحلي في عام 2017. 

القطاعات الأكثر تأثراً
بحسب حديث الدكتور علاء سرحان، أستاذ الاقتصاد البيئي في جامعة عين شمس الى “النهار”، فإن أكثر القطاعات عرضة للتأثر على المدى القصير والمتوسط تشمل: الزراعة، والموارد المائية، والسواحل والسياحة، والطاقة، الصحة، والأمن الغذائي. يضيف: “على سبيل المثال، يعاني القطاع الزراعي من تراجع إنتاجية المحاصيل وزيادة ملوحة التربة، فيما تواجه السواحل خطر التآكل وتهديد المنشآت السياحية في مدن مثل: الإسكندرية ومرسى مطروح، والغردقة، وشرم الشيخ”. 

أما قطاع الطاقة، فيشهد ارتفاعاً في الطلب على الكهرباء، في مقابل انخفاض كفاءة محطات التوليد بسبب موجات الحرارة. على الجانب الصحي، تزداد الأمراض المرتبطة بالحرارة والمياه، بينما يهدد النقص في المحاصيل الأساسية الأمن الغذائي ويزيد الاعتماد على الاستيراد، على ما يقول سرحان.

في هذا السياق، رصد تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي خفضاً محتملاً في الإنتاج بنسبة تراوح بين 8 و47%، ما قد يقلّص العمالة الزراعية بنسبة تصل إلى 39%، ويؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء بين 16 و68%.

تمتد التأثيرات إلى الممتلكات والبنية التحتية. وقدر التقرير نفسه أن قيمة العقارات المهددة بالغمر في دلتا النيل بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر قد تصل إلى 7–16 مليار جنيه بحلول منتصف القرن. كما أن تفاقم موجات الحر وتلوث الهواء قد يؤدي إلى زيادة الوفيات السنوية بين 2000 و5000 حالة إضافية، مسبباً أعباء مالية تراوح بين 20 و48 مليار جنيه سنوياً.

استراتيجية وطنية وجهود حكومية
رغم التحديات، تسعى مصر لتحويل الأزمة المناخية إلى فرصة تحفيزية لإعادة هيكلة نموذجها التنموي. إذ أطلقت الحكومة الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050 في عام 2022، وتتضمن أهدافاً مثل: رفع مساهمة الطاقة المتجددة إلى 42% بحلول 2030 بدلاً من 2035. 

كما دشّنت منصة الترابط بين المياه والغذاء والطاقة (NWFE)، التي تشمل تسعة مشروعات ذات أولوية في مجالات الأمن المائي والغذائي، والنقل المستدام.

على مستوى التمويل، أشار البيان المالي لعام 2024 إلى أن نسبة الاستثمارات الخضراء ارتفعت إلى 40% من إجمال الاستثمارات العامة، مع خطة للوصول إلى 50% في 2025، مقارنة بـ15% فقط في 2021. وفي خطوة نوعية، أقرت الحكومة استراتيجية الهيدروجين الأخضر عام 2023، وأعقبها قانون حوافز الاستثمار في هذا القطاع، وإنشاء مجلس وطني للهيدروجين الأخضر.

من جهته، يؤكد الدكتور سيد صبري، مدير وحدة التغيرات المناخية السابق، أن الاستراتيجية الوطنية لتغيّر المناخ 2050 تُعد إطاراً واعداً، لكنها تواجه بطئاً في وتيرة التنفيذ لا يواكب تسارع الظواهر المناخية. 
ويرى أن مواجهة هذه التحديات تتطلب تعزيز التنسيق بين الجهات المعنية، وتفعيل آليات تمويل فعّالة، إلى جانب دمج اعتبارات المناخ في جميع سياسات التنمية. كما يشدد على ضرورة توسيع دور المجتمع المدني، ورفع الوعي المجتمعي، ووضع نظام متابعة وتقييم مستمر لضمان ترجمة الأهداف إلى نتائج واقعية تعزّز قدرة مصر على الصمود المناخي.

ويرى سرحان أن فعالية الاستراتيجية الوطنية لاتزال غير كافية؛ بسبب بطء التنفيذ أيضاً، بالإضافة إلى ضعف التمويل، وغياب الترجمة إلى برامج محلية. مشيراً إلى أن المدن الساحلية ودلتا النيل لاتزال تفتقر إلى بنية وقائية متكاملة، كما أن التمويل المناخي الدولي غير مستغل بالشكل الكافي، وسط ضعف التنسيق المؤسسي ونقص في بيانات الإنذار المبكر.

ويشدد على أهمية الشراكات الدولية ونقل التكنولوجيا في تمكين مصر من التحول إلى اقتصاد مخفوض الانبعاثات وأكثر مرونة. فالوصول إلى تقنيات الطاقة النظيفة والزراعة الذكية يمكن أن يخفف من الخسائر، فيما يتيح التمويل الأخضر – مثل مبادلات الديون في مقابل المناخ – إعادة توجيه أعباء الدين نحو مشروعات مستدامة من دون الضغط على الموازنة. ويخلص إلى أن تسريع تنفيذ الاستراتيجية الوطنية وتعزيز الشراكات وتمويل الابتكار المناخي باتت ضرورة حتمية لمصر لمواكبة تسارع الظواهر المناخية.