السويداء والدروز: معاناة ضحايا ‘صراع الأقليات’ في سورية الحديثة

رشا الريّس
لم تكن السويداء مجرد “حدث أمني” أو عملية استعادة هيبة. ما جرى كان رسالة مقصودة، محكمة الصياغة، مُحمّلة بكل أدوات التخويف والإذلال وموجهة إلى كل من تسوّل له نفسه من الأقليات في سوريا رفض الانخراط الكامل في مشروع الدولة الجديدة بقيادة أحمد الشرع، الرئيس السوري الجديد الذي ورث أدوات البطش عن بشار الأسد، ورفع منسوب العنف باسم “استعادة هيبة الدولة”.
فجأة، بتوقيت لا يبدو عشوائياً، اجتاحت قوات الشرع المحافظة الدرزية، مُستغلة اشتباكات غامضة المصدر بين أبناء العشائر والدروز لتُحوّل السويداء إلى ساحة عقاب جماعي. الرجال أُهينوا، الشيوخ ضُربوا، والرموز الدينية جُردت من لحاها. كل ذلك تحت شعار إعادة “النظام”، في مشهد تكراري من كتاب الأسد نفسه، لكن بنسخة أكثر وقاحة.
اللحية عند الدروز ليست زينةً، بل امتداد لتراث وموقف أخلاقي، وفرض إزالتها يعني أكثر من مجرد انتهاك جسدي. هذا المشهد لا يمكن فهمه إلا كرسالة إذلال ممنهجة: كسر كرامة الطائفة أمام الكاميرا، لتقول السلطة بوضوح إن لا أحد محصّاًن، لا بالدين، ولا بالعمر، ولا بالكرامة.
السويداء، المعروفة بصمودها وخصوصيتها الثقافية والدينية، أظهرت أن هناك طريقاً ثالثة في سوريا: لا مع الأسد ولا مع التطرف السني، لكن هذا النموذج شكّل تهديداً. اليوم، المشهد يُذكّر بتكتيك “فرق تسد”، الذي لا يُجيده سوى من قرأ دروس التاريخ بعين المخابرات. ويقول بعض من في الجبل إن القادم أسوأ.
وإسرائيل؟ تراقب، لا بل تبدو مستفيدة وموافقة. فكل فتنة تضعف المركز وتكسر الهويات، تفتح الباب أمام مشاريع التقسيم التي تحلم بها. وتوقيت الهجوم تزامن بشكل مريب مع لقاءات غير رسمية جمعت مسؤولين سوريين وإسرائيليين في الخارج.
وفيما يُشيع البعض أن الحكومة تسعى الآن إلى “تهدئة”، يبقى الثابت أن الشرخ اتسع. الثقة انكسرت. والدماء التي سُفكت لا تُمسح بتصريح ولا باستنكار ولا باعتذار. فالتاريخ الذي يُهان، لا يُمحى بل يُخلد. والشعوب لا تنسى من داس كرامتها، ولو بعد حين.