حسن إدريس لـ ‘النهار’: نحن نصنع عند الطلب ولا نحتفظ بمخزون، مع التزامنا بحماية البيئة.

حسن إدريس لـ ‘النهار’: نحن نصنع عند الطلب ولا نحتفظ بمخزون، مع التزامنا بحماية البيئة.

في عالم الأزياء، حيث يلتقي الفن بالحرفة، والهوية بالإبداع، يبرز اسم حسن إدريس واحداً من المصمّمين الذين نقلوا بصمة لبنان إلى العالم.

 

من لندن، عاد المصمّم اللبناني حسن إدريس ليكرّس بصمته الخاصة في عالم الأزياء الراقية، مستندًا إلى إرثٍ لبنانيّ غنيّ بالحرفية والذوق الرفيع. في تصاميمه، تتجلّى المرأة القوية، المتصالحة مع ذاتها، والمتجذّرة بجمالٍ لا يساوم.

في هذه المقابلة الخاصة مع “النهار”، يفتح لنا المصمّم اللبناني الشاب أبواب عالمه، من جذوره الفنية إلى فلسفته في التصميم المستدام، وصولاً إلى المرأة التي يراها بطلة كل فستان. حوار يضيء على رحلة من الشغف، الهوية والتجدّد المستمر.

 

 

المصمم اللبناني حسن ادريس في مشغله (من مكتب المصمم)

 

 

*من بيروت إلى لندن ثم عودتك إلى لبنان… أي جزء من هويتك اللبنانية تحمله بعمق في تصاميمك اليوم؟

 

– تبقى العلامة التجارية متجذّرة في فنّ الحِرَف اللبنانية وفي غريزة ثقافية عميقة للاحتفال بالحياة، حتى في أحلك الأوقات. نأتي من بلد صغير ومن مجتمع متماسك وإن كان عالميّ الطابع، حيث يولي الناس أهمية كبيرة لطريقة تقديم أنفسهم حتى في أدقّ التفاصيل، وهو ما ينعكس بشكل طبيعي في الأزياء. كما أنّ هناك كرماً في ثقافتنا، ليس من النوع المتكلّف الذي يرتبط غالباً بالمنطقة، بل شيء أكثر عمقاً وروحانية ومصدره البحر الأبيض المتوسط. من ألواننا إلى أسلوب حياتنا إلى الأدوار الاجتماعية المتعددة التي نؤديها، كل قطعة تُترجم سعيَنا لأن نكون تقدّميين، صادقين، وأخلاقيين.

 

 

عروس حسن إدريس الفريدة (من مكتب المصمم حسن إدريس))

عروس حسن إدريس الفريدة (من مكتب المصمم حسن إدريس))

 

 

 

*تصاميمك تحتفي بالمرأة بطريقة لافتة. من هي المرأة التي تتخيّلها عند تصميم مجموعاتك، وكيف تأمل أن تشعر المرأة عند ارتدائها (HASSIDRISS)؟

– امرأة (HASSIDRISS) هي تقدّمية، مستقلّة وقوية. عندما نُصمّم، نفكّر بامرأة تعرف نفسها، لكنها لا تزال في رحلة مستمرة لاكتشاف أعمق. نريدها أن تشعر بأنها لا تُمسّ، جذّابة وجريئة، مع الحفاظ على أناقتها العفوية. هي واثقة من نفسها ولا تعتذر، ومع ذلك تبقى متجذّرة وواعية لذاتها. إنّه ذلك الإحساس حين تدخلين إلى غرفة، ولا يكون الفستان هو أول ما يلاحظه الناس، بل أنتِ.

 

 

فستان زفاف بتصميم حسن إدريس (من مكتب المصمم حسن إدريس)

فستان زفاف بتصميم حسن إدريس (من مكتب المصمم حسن إدريس)

 

 

*في مجموعتك الأخيرة، تبرز قوة المرأة التي تناضل وتنتصر. ما الذي ألهمك لتصميم هذه الفساتين التي تمنح القوة؟


– في هذه المجموعة، نسعى الى تجسيد ما نراه من سماتٍ عالميّة للأنوثة: الحسيّة، الرقّة، القوّة، الحدس، الأمومة والتضحية، ولكن من زاوية مختلفة، فالأخطبوط، خبير التمويه في المحيطات. تهدف هذه المجموعة إلى إضفاء الطابع الإنساني على هذا الكائن واحتضان فكرة أنّ الأنوثة توحّد النساء من مختلف الكائنات الحيّة عبر قوّتهن الفطرية في الخلق، الرعاية والقدرة على التحمّل.

 

 

فستان مميّز بلونه وقصته من توقيع حسن إدريس  (من مكتب المصمم حسن إدريس)

فستان مميّز بلونه وقصته من توقيع حسن إدريس (من مكتب المصمم حسن إدريس)

 

 

*بدأت مسيرتك رسّاماً. كيف يؤثر هذا الحسّ الفني على مقاربتك لتصميم الأزياء الراقية؟

– من خلفيتي في الفنون الجميلة، طوّرت اهتماماً عميقاً بخلق التركيبات الفنية والمحاولة بالوسائط المتعدّدة. من الطبيعي بالنسبة لي أن أرى الموضة عملية فكرية، لا مُنتجاً نهائياً فحسب. في عملي، تتحوّل العملية الإبداعية إلى أداء مسرحي، بحيث تصبح العميلة لدينا مصدر إلهام، والقطعة الفنية عرضاً في ذاته. تماماً كما في الفنون الجميلة الصادقة، نركّز على الجانب الإبداعي في تواصلنا، لا على الدافع التجاري.

 

عروس حسن إدريس لا تشبه إلا نفسها  (من مكتب المصمم حسن إدريس)

عروس حسن إدريس لا تشبه إلا نفسها (من مكتب المصمم حسن إدريس)

 

 

 

*تتميّز الأزياء الراقية بالإيقاع البطيء، واللمسة الشخصية والإحساس، لكننا نعيش في عالم إلكتروني سريع. كيف توازن بين الحرفية الخالدة والحداثة؟


– الأمر يتعلّق بالتقاط إحساس أو لحظة زمنية يمكن أن توجد في سياق من العصور الوسطى أو المستقبل.

في عصر رقمي يتحرك فيه كل شيء بسرعة وترى فيه الكاميرا كل تفصيل، تصبح قابلية التصوير جزءاً من التصميم في ذاته. لقد جعلتنا وسائل التواصل الاجتماعي أكثر وعياً بكيفية ظهور الملابس عبر العدسة، لذا نعمل على ابتكار قطع ليست خالدة فحسب، بل تحمل أيضاً مواقف، مشاعر وحضوراً دائماً. نصنع فساتين تُصوَّر لتُساهم في ذاكرة اللحظة.

 

 

حسن إدريس يبتكر تصاميم أنثوية وأنيقة  (من مكتب المصمم حسن إدريس)

حسن إدريس يبتكر تصاميم أنثوية وأنيقة (من مكتب المصمم حسن إدريس)

 

 

* في عالم تقوده الاستدامة، كيف يحافظ حسن إدريس على أزياء صديقة للبيئة وقابلة لإعادة التدوير، مع الحفاظ على التصاميم العصرية والمواكبة للموضة؟ 


– في (HASSIDRISS)، تبدأ الاستدامة بالنيّة. في عالم تهيمن عليه الموضة السريعة، أفتخر بطريقة عملنا. لا نحتفظ بمخزون، وكل قطعة تُفصّل حسب الطلب، ما يحدّ من الهدر والإنتاج الزائد. نشتري المواد حسب الحاجة، وليس بشكل مفرط.

بين المكتب والمشغل، نعيد تدوير الورق، ونعيد استخدام الأقمشة المتبقية، ونوظف ما نستطيع توظيفه. في العام الماضي، تبرّعنا بكثير من الأقمشة المخزّنة، مانحين هذه القطع خشبة مسرح جديدة لتتألق عليها. نُساهم أيضاً بانتظام في دعم FabricAID، لمساعدتهم في خلق نظام موضة أكثر استدامة في لبنان.

أشعر أنني مدين للبيئة التي نشأت فيها بأن أختار الاستدامة، أن أردّ الجميل إلى مصدر كل الإلهام، إلى الطبيعة.

الأمر لا يتعلّق بادّعاء الكمال، بل بالقيام بخيارات واعية ومستمرّة لتقليل الضرر، مع الاستمرار في الاحتفال بالإبداع والحرفية.

 

 

أماندا هولدن بفستان من توقيع حسن إدريس (من مكتب المصمم حسن إدريس)

أماندا هولدن بفستان من توقيع حسن إدريس (من مكتب المصمم حسن إدريس)

 

 

*أخيراً، إذا أُتيح لك أن تصمم لامرأة تاريخية أو أسطورية، حقيقية أو خيالية، من تختار، وماذا كنت لتصمّم لها؟


– كنت سأختار “بيرسيفوني”، إلهة الربيع الإغريقية وملكة العالم السفلي. فهي تجسّد واحدة من أقوى الثنائيات التي تجمع بين النور والظلمة، البراءة والسيادة، الحياة والموت.

كنت سأصمّم لها مجموعتين من الملابس، واحدة على الأرض للربيع، وأخرى في العالم السفلي للشتاء.

ما يجذبني إليها ليس هذا التناقض فحسب، بل التحوّلات التي تحدث بين الاثنين. هي تتحكّم بالسرد المحيط بها، تُخفي، تُغري وتتحوّل. تختفي، ثم تعود، تتفتّح ثم تهبط. وبهذا تصبح غامضة، مراوغة ومن المستحيل امتلاكها بالكامل. لا تراها إطلاقاً كاملة، بل ترى فقط ما تختار هي أن تكشفه.

تصميم قطعة لها يعني احتضان النعومة والصرامة، البراءة والقوّة، التفتّح والذبول. لو صمّمت شيئاً لها، لما كان فستاناً واحداً، بل رحلة تحوّل تتجسّد عبر أشكال عدّة. طبقات تنكشف وتتطوّر. خامات تتغيّر مع الحركة والضوء. شكل يحمل توتّر الولادة من جديد، والكبح، والرقة والخطر.