المشاركة السياسية للأكراد في تركيا

المشاركة السياسية للأكراد في تركيا

تعطي الصورة التي يظهر فيها مقاتلو حزب العمال الكردستاني يلقون سلاحهم فكرة عن أهمية القرار الشجاع الذي اتخذه زعيم الحزب عبد الله أوجلان بالتخلي عن السلاح. تؤكد الصورة التي التقطت في كردستان – العراق (قرب السليمانية) ويظهر فيها المقاتلون التابعون للحزب التركي يرمون سلاحهم في النار، أن القرار المتخذ في 12 أيار / مايو الماضي بحل الحزب والتخلي عن النضال المسلّح الذي استمر أربعة عقود، قرار نهائي.

 

لا عودة إلى ممارسات الماضي التي لم تؤد سوى إلى سلسلة من المآسي توجت في عام 1999 بتخلي النظام السوري عن ورقة عبد الله أوجلان وتسليمه بطريقة غير مباشرة إلى تركيا التي أودعته أحد سجونها.

 

تغيّر عبد الله أوجلان وهو في السجن. استوعب، في ما يبدو، أنه لم يكن في مرحلة معيّنة سوى ورقة استخدمها حافظ الأسد في المواجهة التي خاضها مع تركيا، وهي مواجهة خاسرة سلفاً. كانت النتيجة خضوع الأسد الأب للقرار التركي في وقت كان يعدّ لتوريث سوريا لنجله بشّار. بالنسبة إلى حافظ الأسد كانت سوريا مزرعة عائلية اسمها “سوريا الأسد”… وكان عبد الله أوجلان مجرّد أداة في خدمة النظام العلوي الذي لم يكن لديه سياسة يعتمدها مع دول الجوار غير سياسة ممارسة الابتزاز. هل هناك من يريد أن يتذكّر أن الأمر وصل بحافظ الأسد إلى استخدام مجموعة سمّيت “الجيش الأرمني السرّي” في لعبة ممارسة الضغط على تركيا؟

 

هناك أبعاد عدّة لقرار أوجلان الذي لقي ترحيباً من الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يواجه صعوبات داخلية كبيرة اضطرته إلى سجن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، بموجب تهم مزعومة. يُعتبر رئيس بلدية إسطنبول أبرز الخصوم السياسيين لأردوغان.

 

على الصعيد الداخلي التركي، يعني  تخلي حزب العمال الكردستاني عن السلاح انخراطاً في اللعبة السياسية التركية في وقت شارف عهد أردوغان على نهايته بسبب تقدّمه في السنّ أوّلاً. ثمة رهان لدى أوجلان على دور سياسي للأكراد في رسم مستقبل تركيا، خصوصاً أنّهم يشكلون نسبة تراوح بين 15 و20 في المئة من السكان في بلد يزيد عدد مواطنيه على 87 مليوناً. ثمّة خلافات في تقدير النسبة الحقيقية للأكراد في تركيا، لكن الثابت أنّ عددهم يزداد سنوياً نسبة لبقية الإثنيات التركية نظراً إلى ارتفاع معدل الإنجاب لدى العائلات الكرديّة.

 

يظلّ البعد الإقليمي البعد الأهمّ لقرار حزب العمال الكردي القاضي بالتخلي عن سلاحه. إنّه طي لصفحة السلاح الذي تؤمن به “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران والذي سبق للاتحاد السوفياتي أن استخدمه إبان الحرب الباردة.

 

من الواضح أنّ إيران، بإصرارها على استخدام ميليشياتها المذهبية في المنطقة، لم تستوعب معنى رسالة أوجلان التي جاءت متأخرة أربعين عاماً، لكنها جاءت أخيراً. هل من مجال لاستيعاب “الجمهوريّة الإسلاميّة” المعادلة الإقليمية الجديدة التي تقوم على أن لا سلاح متفلتاً في المنطقة في خدمة المشروع التوسعي الإيراني؟

 

ما دام المشروع التوسعي نفسه انتهى، خصوصاً في ضوء هزيمة “حزب الله” في لبنان والتحول الكبير في سوريا، ماذا بقي للسلاح من وظيفة؟ هل بقاء لبنان رهينة لسلاح “حزب الله”، بما يحول دون أي إعادة إعمار للقرى المدمرة في جنوبه، وظيفة؟ هل إبقاء العراق تحت رحمة ميليشيات “الحشد الشعبي”، التي تكرّس غياب مؤسسات الدولة، وظيفة؟ هل جرّ اليمن إلى مزيد من خراب ودمار يبدو مقبلاً عليهما، في ضوء ممارسات الحوثيين في البحر الأحمر، وظيفة؟

 

ثمة أسئلة تفرض نفسها بعدما اتخذ عبد الله أوجلان قراره بالتخلي عن السلاح. يظل السؤال الأهم: أي دور للأكراد في رسم مستقبل تركيا؟

 

بين الأسئلة الأخرى تلك المتعلقة بعالم تغيّر ومنطقة تغيّرت. العالم تغيّر منذ خسر الاتحاد السوفياتي الحرب الباردة. المنطقة تغيّرت مع سقوط المشروع التوسعي الإيراني وانتقال الحروب إلى داخل “الجمهوريّة الإسلاميّة” نفسها. كلّ ما في الأمر هل تفهم إيران معنى التغييرين الكبيرين وأبعادهما؟