عندما يتحول سلاح ‘حزب الله’ إلى خطر يهدد وجود لبنان!

عندما يتحول سلاح ‘حزب الله’ إلى خطر يهدد وجود لبنان!

قبل مقابلة “ذا ناشيونال”، وفي حوار مع تلفزيون “أل.بي.سي” من أحد قصور بيروت الخاصة، سئل المبعوث الاميركي توم براك عن المعلومات التي بثتها قناة إسرائيلية، بالاستناد إلى مصادر سورية، تفيد بإلحاق طرابلس والبقاع بسوريا، فأجاب: “هذا خيال. هذا كرتون وصور متحركة”.

ولكن بعد ساعات قليلة، لم يعد براك متخوّفاً من سيطرة سوريا على طرابلس والبقاع فحسب بل على كل لبنان، أيضاً!

هل هذا يعني أن توم براك يعاني من الارتباك المنطقي؟ أو إنّه حين تكلم في التلفزيون اللبناني كان أقلّ اطلاعاً على الواقع الحقيقي، ممّا أصبح عليه حين أعطى المقابلة للصحيفة الإماراتية؟ أو أنّه، في المقابلة الأولى كان ينفي صحة ما جرى تصويره على أنّه معلومات وفي الثانية كان يقدم تحليلاً “أبوكاليبسياً” خدمة لهدف محدد؟ إنّ السياق العام للكلام يمكن أن يقدم الجواب الواضح عمّا قاله براك.

في مقابلة أعطاها الجمعة لصحيفة “آراب نيوز” السعودية، أي في اليوم نفسه للمقابلة التي أعطاها لـ”ذا ناشيونال”، تحدث براك عن تشكيل البيت الأبيض فريق عمل يواكب مفاوضات سرية تجري بين لبنان وإسرائيل، وملفها الجوهري هو نزع سلاح “حزب الله” الثقيل ووضعه في مكان يخضع لإشراف أميركي- أممي- لبناني-إسرائيلي!

وهذه المرة الأولى التي تكلم فيها براك عن مفاوضات بين لبنان وإسرائيل. ولكنّ المبعوث الأميركي يعرف صعوبة تقبل مجموعات لبنانية لهكذا مفاوضات، كما يتلمّس أنّ “حزب الله” سيرفض ما ينتج منها لأسباب عدة بينها رفضه الحاد لنزع صواريخه ومسيّراته. ولهذا لم يكن أمامه، في محاولة لتجاوز الصعوبات هنا والعناد هناك، سوى أن يقدم تصوّراً “أبوكاليبسياً” عمّا يمكن أن يحصل، في حال لم تثمر المساعي الديبلوماسية، نتائج إيجابية تنُهي عقدة ملف سلاح “حزب الله”!

والتصوّر “الأبوكالبسي” لا ينبع من فراغ، ذلك أنّ هنالك بالفعل شرقاً أوسط مختلفاً وإسرائيل تريده جديداً، وفق ما يلائم مصلحتها الاستراتيجية البعيدة المدى.

وليس سراً أنّ إسرائيل حملت إلى واشنطن تصوّراً لإعادة تقسيم سوريا، على أسس عرقية وطائفية. حتى تاريخه لم تقتنع دوائر القرار الأميركية بهذا التصور، ولكن إسرائيل تملك القدرة على تسهيل كل ما هو معقد في واشنطن.

وبالفعل، تقدمت إسرائيل خطوة نوعية، بحيث لم تعد تقسيمات سايكس-بيكو “مقدسة”. توم براك نفسه بات يحمل السيف ضد ما كان قد انتهى إليه سايكس الإنكليزي وبيكو الفرنسي.

وفي سوريا حيث أصبحت “هيئة تحرير الشام” هي الحاكمة، هناك توجه إسلامي واضح. في هذا التوجه، يعتبر لبنان جزءاً من “بلاد الشام”. و”بلاد الشام” تسمية تعود إلى زمن “الفتح الإسلامي” ويعنى بها الجغرافيا التي تضم حالياً سوريا ولبنان والأردن وفلسطين وإسرائيل ولواء الإسكندرون في تركيا.

واللافت أنّ معاداة “حزب الله” بدأت، للمرة الأولى، تجمع كلا من إسرائيل وسوريا. الطرفان يريدان القضاء على هذا التنظيم الذي بات يعتبر من مخلفات “العصر الإيراني” في الشرق الأوسط.

وهناك اقتناع تام بأنّ “حزب الله” طالما بقي “على سلاحه” فلبنان سيبقى مأوى الخطر، لكل من سوريا وإسرائيل اللتين في إطار المفاوضات بينهما، وهي تسير بسرعة وتجري بكثافة، وتحظى بدعم دولي وعربي كبير، يمكن أن يتفاهما بسهولة ضد لبنان، وبذلك، في حال لم يتخلّ “حزب الله” عن سلاحه، يمكن الانقضاض عليه من سوريا وإسرائيل في آن واحد، فتتقاسم الدولتان السيطرة عليه.

ولن يتمكن الجيش اللبناني، والحالة هذه من ضبط الفوضى الناجمة عن تواطؤ إسرائيلي-سوري محتمل على تقاسم السيطرة على لبنان، لأنّ الدول الخليجية التي يراجعها الأميركيون في موضوع مساعدة الجيش اللبناني لتحويله إلى جيش حديث ومحترف وقوي، لن تقدم على أي خطوة ما دام سلاح “حزب الله” لا يزال بيده!

وهكذا يظهر أنّ إمكان تفكك الكيان اللبناني، في شرق أوسط جديد، يصبح احتمالاً قائماً بقوة، في حال عجز لبنان عن تفكيك الجناح العسكري لـ”حزب الله” ونزع الأسلحة التي تشكل خطراً على دول الجوار والسلام الإقليمي الجديد!

توم براك، ولو بأسلوب مرتبك، يخشى حصول ذلك. إدارته، من الواضح، أنها لن تتصدى لهذا السيناريو، لأنّ دولة تعجز عن ضبط فصيل فيها لا يمكنها أن تكون جزءاً من شرق أوسط جديد يتم صوغه وفق ميزان قوة جديد!