رواد وسائل التواصل الاجتماعي وقرار إزالة الحجاب: توازن بين الحرية الفردية والضغوط الاجتماعية

رواد وسائل التواصل الاجتماعي وقرار إزالة الحجاب: توازن بين الحرية الفردية والضغوط الاجتماعية

 قاسم محمد العزير

 

 

في السنوات الأخيرة، ظهرت موجة من رواد ومنشئي المحتوى على منصات السوشيال ميديا الذين قرروا خلع الحجاب بعد سنوات من ارتدائه. هذه الخطوة أثارت جدلاً واسعًا بين مؤيدين يرونها تعبيرًا عن الحرية الشخصية، ومعارضين يعتبرونها استسلامًا لضغوط المجتمع أو مؤثرات غربية. في هذا المقال، سنناقش هذه الظاهرة من زوايا متعددة، بما في ذلك الأسباب النفسية والاجتماعية، وتأثير السوشيال ميديا، وردود الفعل المجتمعية.

كثير من الفتيات يرتدين الحجاب في سن مبكرة بسبب العائلة أو المجتمع، لكن مع النضج، قد يشعرن بعدم الارتياح أو الرغبة في استكشاف هويتهن بعيدًا عن التقاليد. رواد السوشيال ميديا، الذين يعيشون تحت الأضواء، قد يشعرون بضغوط أكبر لتغيير مظهرهم ليعكس تطورهم الفكري أو الروحي.

يعيش منشئو المحتوى في بيئة تنافسية حيث المظهر جزء أساسي من علامتهم التجارية. بعضهن قد يشعرن أن الحجاب يقيد فرصهن في التعاون مع ماركات أو يحد من وصولهن لجمهور أوسع، ما يدفعهن لاتخاذ قرار خلعه.

بالإضافة إلى أن بعض الرواد يتأثرون بأفكار تحررية أو علمانية تعتبر الحجاب رمزًا للقمع أو التخلف، خاصة في ظل الخطاب السائد في بعض المنصات التي تروج لفكرة “التحرر من القيود الدينية”. حيث ترى بعض المؤثرات أن خلع الحجاب هو وسيلة لتحدي الصورة التقليدية عن المرأة المسلمة، وإثبات أن الإيمان أو الأخلاق لا ترتبط بمظهر خارجي”.

ساهمت السوشيل ميديا في تعزيز الظاهرة إلى حد بعيد وذلك من خلال  الترويج للقصص الشخصية على منصات مثل تيك توك، إنستغرام، ويوتيوب التي تتيح للرواد مشاركة تجاربهم مع الملايين، ما يجعل قرار خلع الحجاب يبدو أكثر انتشارًا مما هو في الواقع. بعض الفتيات يجدن في هذه القصات مصدر إلهام لاتخاذ قرار مماثل.

كما يجدر بالذكر أن في بعض الأحيان، تتعرض المؤثرات المحجبات لانتقادات أو تعليقات تسخر من مظهرهن، بينما يتم تشجيع غير المحجبات على أنهن “أكثر جرأة وتحررًا”. هذا السلوك قد يدفع بعضهن لتغيير اختياراتهن. بالإضافة إلى الربح المادي حيث إن بعض العلامات التجارية تفضل التعاون مع مؤثرات غير محجبات، ما قد يخلق حافزًا ماديًا للتغيير.

يدعم الكثيرون حق المرأة في اختيار ما ترتديه، معتبرين أن الإيمان قضية شخصية بين الإنسان وربه، وأن النقاش حول الحجاب يجب ألا يكون وسيلة لفرض الوصاية على النساء.  لكن في المقابل يرى آخرون أن خلع الحجاب، خاصة عند المؤثرات، رسالة سلبية للشابات الصغيرات، وقد يكون نتيجة ضغوط اجتماعية أو اتباعًا للموضة بدلاً من أن يكون محض قناعة شخصية.

من الناحية الدينية ينقسم العلماء بين من يعتبر خلع الحجاب “معصية” يجب نصح صاحبتها، ومن يركز على أهمية التغيير القائم على الفهم والاقتناع دون إصدار أحكام مسبقة.

 

تسببت هذه الظاهرة بتغيّر في الصورة النمطية للمرأة المسلمة حيث إن بعض المؤثرات اللواتي خلعن الحجاب يقدمن صورة جديدة للمرأة المسلمة “الليبرالية”، ما يوسع تعريف الهوية الإسلامية في عصر العولمة. كما أصبحت قضية الحجاب أكثر ظهورًا في النقاشات العامة، ليس فقط كفريضة دينية، ولكن كاختيار شخصي يتأثر بالبيئة والثقافة.
قرار خلع الحجاب ليس ظاهرة جديدة، لكن السوشيال ميديا أعطتها زخمًا أكبر. الفهم العميق لهذه القضية يتطلب النظر إلى السياقات الفردية والاجتماعية معًا، بدلاً من الحكم المطلق. الأهم هو احترام حرية الاختيار مع تشجيع الحوار البناء حول تأثير السوشيال ميديا على الهوية الدينية والاجتماعية.
في النهاية، الجدل حول الحجاب وخلعه يعكس تحديًا أكبر: كيف نوفق بين التقاليد والحداثة في عصر رقمي يفرض تغييرات سريعة على قناعاتنا وقيمنا؟

 

 

المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة “النهار” الاعلامية