وصفة أرز بالبحص | النهار

وصفة أرز بالبحص | النهار

عمّار الحيدري

 

 

مرت 5 سنوات والحقيقة لا تزال مجهولة بشأن المتسبب والسبب الحقيقي وراء انفجار مرفأ بيروت عام 2020.
وقع الانفجار المشؤوم في 4 آب 2020، وأودى بحياة أكثر من 215 شخصاً وإصابة نحو 6 آلاف و500 آخرين. كما قُدرت أضرار الانفجار بقرابة 50 ألف وحدة سكنية، وخسائره المادية بنحو 15 مليار دولار.
وعزت السلطات اللبنانية الانفجار إلى اندلاع حريق لم تُعرف أسبابه، في المرفأ الذي جرى فيه تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم دون إجراءات وقائية.
ووسط عرقلة التحقيقات، يواصل أهالي ضحايا الانفجار الذين نفذوا سابقاً عدة مسيرات في الشارع، تمسّكهم بـ”مسيرة العدالة والمحاسبة رافضين الاستسلام”.
أن “الأمور السياسية في لبنان تعطل التحقيقات ولا يمكن أن يبقى الملف غامضاً للأبد”.
وقد توقف التحقيق بالقضية منذ كانون الأول 2021، عقب أكثر من 45 دعوى ضد قاضي التحقيق طارق بيطار، قدمها سياسيون ومسؤولون مدعى عليهم بالقضية، مستغلين مادة قانونية في أصول المحاكمات تجّمد عمل قاضي التحقيق بحال التشكيك بأدائه من جهة المدعى عليه.

 

 

 

 

وفي كانون الثاني 2023، حاول القاضي بيطار استئناف التحقيق؛ حيث أخلى سبيل 5 موقوفين بالقضية، وادعى على 8 أشخاص جدد “بجرائم القتل (…) معطوفة على القصد الاحتمالي”، بينهم النائب العام التمييزي غسان عويدات، حينها قرر عويدات ملاحقة بيطار قضائياً بتهمة “التمرد على القضاء واغتصاب السلطة”.
ولم يتحرك الملف منذ تعيين النائب العام التمييزي الجديد جمال الحجار، في شباط 2024، خلفاً لعويدات الذي أحيل إلى التقاعد.
ناهيك عن عدم تعاون من القوى الخارجية التي يمكنها الوصول للأقمار الصناعية مع لبنان، مع عدم تلبية طلب المحقق العدلي بالحصول على صور من الأقمار يوم 4 آب عند تمام الساعة 06:07 بالتوقيت المحلي (03:07 ت.غ)، ولم تقم أي دولة بمساعدة لبنان والقضاء للحصول على ذلك، رغم تقديم طلب إلى 13 دولة تمتلك أقماراً صناعية فوق بيروت.
هناك العديد من النظريات والتكهنات حول أسباب الانفجار، ولكن لم يتم إثبات أي منها بشكل قاطع حتى الآن. بعض النظريات تشمل:
– الإهمال والفساد: يعتقد البعض أن الانفجار كان نتيجة للإهمال والفساد في تخزين شحنة نترات الأمونيوم في المرفأ.
– التخريب المتعمد: يعتقد البعض الآخر أن الانفجار كان نتيجة لتخريب متعمد، ربما من قبل جهة خارجية أو داخلية.
ومع ذلك، لا يوجد دليل قاطع حتى الآن على أن هناك جهة معينة تقف خلف الانفجار. فالتحقيقات لا تزال جارية، وسيتم الكشف عن النتائج النهائية عندما تكتمل التحقيقات.
بعد انفجار 4 آب في مرفأ بيروت، كانت التداعيات كارثية على لبنان. فقد خلّف الانفجارأكثر من 218 قتيلًا و7000 جريح، كما تضرر أكثر من 50 ألف وحدة سكنية، وبات نحو 300 ألف شخص بلا مأوى. وقدرت الخسائر المادية بين 10 إلى 15 مليار دولار أميركي. كما تضرر القطاع السياحي بشكل كبير، حيث قدرت الخسائر بأكثر من مليار دولار. 
لا شك في أن انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب الذي خض لبنان برمته سيبقى أحد مفاصل تاريخ البلد بما لا يقل عن الانفجار الذي استهدف رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط 2005. فالانفجار الجديد أقوى من القديم، ربما، بما يزيد على ألف مرة. وقياساً على الأعوام الخمسة عشرالتي انقضت منذ اغتيال الرئيس الحريري قبل أن يتمخض جبل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان فيولد فأر الاعتراف بعجزها عن إجراء تحقيق يسمح بكشف ملابسات الجريمة كاملة، لن يكون هناك كشف رسمي لجميع ملابسات انفجار المرفأ في المستقبل المنظور، بل ستبقى الحقيقة الخاصة بالانفجارين مرهونة بانهيار الأنظمة والقوى التي تحول دون إجراء تحقيق كامل في شأنهما، مثل غيرهما من الأحداث التي اكتشف المؤرخون حقيقتها بعد فتح أرشيفات أنظمة ساقطة.
بيد أن ما لا يحتاج إلى إثبات، لأنه جلي بما يكفي ويفي، هو أن مسؤولية الانفجار تقع على كامل الطاقم السياسي اللبناني، أي جميع الذين توالوا في مناصب مسؤولية متعلقة بأمن البلد وعاصمته ومرفئه طوال الأعوام الستة التي قضتها شحنة نترات الأمونيوم الفتاكة مستودعة في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، من منصب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، إلى منصب المشرفين على إدارة المرفأ وأمنه، مروراً بالوزارات المعنية والأجهزة الأمنية العامة، فجميع هؤلاء مسؤولون سواء إنتموا إلى الدولة اللبنانية الرسمية، أو إلى الدولة الموازية لها التي نعلمها جيداً نحن كلبنانيين فهي حقيقة جلية واضحة للعلن ولكننا نتعمد التغابي والتغاضي عنها بشكل فاضح.
وحتى نصل لقناعة راسخة بأن لا أحد بالمطلق أكبر من بلده وأن لبنان كدولة أولوية لدى شعبه قبل الأديان والطوائف والمذاهب والأحزاب والمصالح الشخصية الضيقة وقتها قد تشرق لكل حقيقة شمس.

المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة “النهار” الاعلامية