حنين إلى الفراق! | النهار

حنين إلى الفراق! | النهار

 كاتيا سعد – الإمارات

 

 

قلتُ بضحكة: “عم حسّ ع بالي قلّن بليز ما بقا حدا ينزل بوست ع Insta ع البحر أو المطعم او Guest House أو عرس أو خطبة أو سهرة أصحاب… إنو كتير عم أُستفزّ وع بالي إنزل ومش قادرة”… فقال: “والله عم حس نفس الشي… عن جد اللي بيشوفون ما بقول حالة البلد لورا”.. فقلت له: “صراحة هني بيقولوا نيالنا برا… ونحن منقول نيالن شو اشتقنا نعيش هالأجواء”. حوار بسيط بيني وبين صديقي المغترب، في وقت كلانا عاجز عن السفر في الصيف الى لبنان. بالتأكيد هذا الحوار يمتد الى أكثر من مغترب ومغتربة في كل بلاد الانتشار. فمهما تأقلمنا وأحببنا وانتمينا إلى الأرض الأخرى، لا بدّ أن يستيقظ الحنين في أوقات معينة، وخاصة في فصل الصيف.

 

 

إنّ صيف لبنان، حتى في خضمّ الأوقات الصعبة، كان يستفزّني بحيويّته وضوضائه. فكيف حين تكون الأوضاع مستقرّة نوعاً ما؟ ففي حين يخفت ضجيج الفعاليات إلى حدّ كبير في الخارج، وتنخفض وتيرة العمل بعض الشيء، وتتأجّل معظم المشاريع إلى ما بعد العطلة – بداية سبتمبر/أيلول.. نجد أن الفعاليات تتضاعف في لبنان من مهرجانات وحفلات ومسرح، وتزداد لائحة المطاعم والمقاهي وينشط الجميع بمشاريع Getaway مع الأهل أو الأصدقاء أو حتى زملاء العمل.. ومهما كانت وتيرة العمل تشعر أن الجميع بـMood جيد، لأن المساء يتحول إلى نهار ثانٍ مفعم بالطاقة واللقاءات. هنا، أنت تنسى مقولة “من أين لك هذا؟”، لتستبدلها بعبارة “أين سنخرج الليلة؟”.

 فجأة أشعر وأنا أتصفح انستغرام أنني أمام دليل سياحي لأبرز الأماكن والفعاليات، وقد تقودني هذه اللحظة الى التقاط صورة على هاتفي لتخزين تلك الأماكن كي أزورها عند سفري للبنان، أو قد أكتب تعليقاً لصديق “شو بتمنى كون معكم”، أو قد تكون هذه “الحالة اللبنانية” هي محور الحديث مع أصدقائي المغتربين.

 مضى على غربتي 18 سنة، وما زال فصل الصيف بالتحديد مرادفاً لما أسميه “حنين غربة”. ولو مهما تردد على مسمعي “كتير تغيّر لبنان من وقت ما رحتي”، ما زلت أقول إن Lifestyle لا مثيل لها. ولو مهما قصدنا مطعماً لبنانياً أو أماكن سهر لبنانية بفرعها في الخارج، يبقى الطعم مختلفاً في لبنان، واللحظات تحمل جوّاً مميزاً. وربما هذا الواقع لم أدركه إلا لكوني مغتربة، ولن يدركه إلا كل مغترب. ومهما توالت الأزمات الطفيفة أو الكبيرة، ستبقى تجد في لبنان تلك الحالة “غير الميؤوس منها”. مهما كانت “ولعانة” الحالة الأمنية والجيو- سياسية، ستجد بالمقابل أنّ الأجواء “ولعانة” سهر و”جمعات أهل وأصحاب”؛ ومغتربين عادوا لقضاء عطلة صيف مع العائلة، ولكن أيضاً ليعيشوا أجواء لم يجدوها في الخارج، وليشحنوا أنفسهم بطاقة تُستنزف بشكل أو بآخر في أي بقعة أرض خارج الوطن!
مهما كان الخارج حضناً لنا، سوف نميل إلى حنين الارتماء بحضن وطننا في لحظة ما… لبنان الذي لا حياة فيه بالنسبة للبعض في أوقات معينة، هو في الواقع ينبض دوماً بالحياة؛ وحنين الغربة إلى وطن مجهول المستقبل أحياناً، هو الحقيقة المعروفة لدى كل مغترب.