حل حزب العمال الكردستاني: تفسير أوجلان السياسي وتحليل حسابات أردوغان الانتخابية

حل حزب العمال الكردستاني: تفسير أوجلان السياسي وتحليل حسابات أردوغان الانتخابية

كشف حزب الديموقراطية ومساواة الشعوب “ديم”، الموالي للأكراد في تركيا، عن عزم مجموعة من مقاتلي حزب العمال الكردستاني حرق أسلحتهم، اليوم الجمعة، في خطوة رمزية تؤكد مضيّ الحزب في مسار السلام وحلّ نفسه بناء على نداء مؤسسه وزعيمه التاريخي المسجون عبد الله أوجلان.
واعتبرت المتحدثة باسم الحزب عايشه غول دوغان الخطوة بمثابة “فتح صفحة جديدة ومفترق تاريخي تحمل مسؤوليات مصيرية”.

أوجلان يطلق صافرة السلام

في نداء مصوّر نُشر الأربعاء، قال أوجلان إنّه “من حيث المبدأ، التخلي الطوعي عن السلاح، وتشكيل لجنة برلمانية مخولة ومُنشأة بالقانون، أمر بالغ الأهمية. لا بد من تجنّب العقلية العقيمة القائمة على أنت أولاً، لا بل أنت أولاً، وأن نُظهر أقصى درجات الحذر والدقة في اتخاذ الخطوات. أعلم أن الخطوات المتخذة لن تذهب سدى”.

فيديو أوجلان جاء تتويجاً لمسار السلام بين الدولة التركية والأكراد والذي بدأ بدعوة من زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي، شريك الرئيس رجب طيب أردوغان للسلطة، الذي طالب بالمصالحة التركية-الكردية، ما مهّد لزيارة وفود من حزب “ديم” إلى سجن إمرالي للقاء أوجلان بعد نحو عقد من إجراءات العزلة المتّبعة بحقه.

في 27 شباط/ فبراير، دعا أوجلان حزب العمال الكردستاني وكافة التنظيمات المرتبطة به إلى عقد مؤتمر لإعلان التخلي عن السلاح وحلّ الحزب.


في1  نيسان/ أبريل، استجابت قيادة الحزب بإعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد.


في 24  نيسان/ أبريل، التقى وفد من حزب “ديم” بوزير العدل يلماز تونتش، للبحث في “ظروف عمل أوجلان” وإشرافه على المسار من خارج سجنه الانفرادي.


في 9 أيار/ مايو، أعلن الحزب أنه عقد مؤتمره واتخذ “قرارات تاريخية” ستُعلن لاحقاً.


وفي 12 أيار/ مايو، أعلن الحزب رسمياً تخلّيه عن السلاح وحلّ نفسه.


في 8  تموز/ يوليو، نُقل عن أردوغان خلال اجتماعه مع وزراء ونواب قوله “تجاوزنا كل العقبات، اليوم أو غداً سيعلن حزب العمال الكردستاني حل نفسه”.

 

 

خطوة اليوم تعتبر إعلاناً عن بداية نهاية أربعة عقود من الصراع المسلح. (أ ف ب)

 

مسار سياسي جديد لأكراد تركيا

خطوة اليوم تعتبر إعلاناً عن بداية نهاية أربعة عقود من الصراع المسلح الذي خاضه الحزب الكردي المصنّف إرهابياً من قبل تركيا ودول غربية مع الحكومة.
تأسس حزب العمال الكردستاني عام 1978 بهدف إقامة دولة كردية مستقلة، لأكثر من 30 مليون كردي تم تقسيمهم بين تركيا والعراق وسوريا وإيران بعدما أعادت القوى الغربية رسم حدود المنطقة في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

في ذلك الوقت، كانت تركيا تحت حكم عسكري لا يعترف حتى بوجود الأكراد، وكان يُشار إليهم بـ “أتراك الجبال”.


لكن، في تسعينيات القرن الماضي، حوّل الحزب تركيزه إلى المطالبة بمزيد من الحقوق الثقافية والسياسية للأكراد. ولأكثر من 40 عاماً، خاض الحزب حرباً ضد تركيا في صراع أودى بحياة أكثر من 40,000 شخص، في الفترة منذ بداية الثمانينيات وحتى نهاية العقد الأول من القرن الحالي، في أطول نزاع مسلّح في العالم.


الظروف اليوم في تركيا باتت مختلفة كلّياً. حزب “ديم” المؤيد للأكراد أصبح ثالث أكبر كتلة برلمانية، ومع إعلان العمال الكردستاني إنهاء الكفاح المسلح وحله لنفسه، فإن المساحة أمام “ديم” داخل تركيا لمتابعة أهدافه عبر الوسائل السياسية ستكون أوسع وأكبر تأثيراً.


بعد الإعلان، الذي وصفه المسؤولون الأتراك بـ”التاريخي”، خرج الأكراد يرقصون في شوارع جنوب شرق تركيا ذي الغالبية الكردية، والتي تحمّلت العبء الأكبر من الصراع.


لكن، مع مرور الوقت تزايدت التساؤلات في الشارعين الكردي والتركي بشأن نزع السلاح ومطالب الحزب بالإصلاحات الديموقراطية، ومصير آلاف المقاتلين المنتمين للحزب، وما إذا كان سيسمح لهم بالاندماج في المجتمع التركي من جديد.


ولم توضح السلطات التركية بعد ما إذا كان سيتم التعامل مع هؤلاء المقاتلين كمجرمين وتقديمهم للمحاكمة، لكن تقارير إعلامية تركية أفادت بأن من لم يرتكب جرائم داخل تركيا قد يُسمح له بالعودة دون ملاحقة قانونية، بينما قد يُجبر قادة الحزب على العيش في المنفى أو البقاء في العراق.


تقدّر أعداد أنصار الحزب، بين مقاتلين ومتعاونين، بنحو 60  ألف شخص، بينهم 300 من القادة البارزين.

أردوغان والمكاسب السياسية لعملية السلام

بالنسبة لأردوغان، الذي يتراجع في استطلاعات الرأي ويواجه احتجاجات متزايدة بعد اعتقال خصمه السياسي الرئيسي، رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، بتهم فساد مزعومة، فإن مسار السلام مع الأكراد يمثّل فرصة ذهبية له.


من الناحية التقنية، هناك سبيلان أمام أردوغان لترشيح نفسه لولاية رئاسية جديدة بعد عام 2028: إما تعديل الدستور، أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة يقررها البرلمان.


لكن المشكلة أن “تحالف الشعب” الحاكم يفتقر إلى 45 مقعداً للفوز بمثل هذا التصويت، ويمتلك حزب “ديم” 57 مقعداً في البرلمان، ما يجعله قادراً على ترجيح الكفة لصالح الانتخابات المبكرة أو تعديل الدستور.


كذلك، فإن حزب العدالة والتنمية الحاكم لم يعد قادراً على الفوز بالانتخابات بعد خسارته للدعم الكردي، وتُقدّر نسبة الأكراد في تركيا بين 15% و20% من السكان. فحكومة أردوغان تمر بأزمة سياسية واقتصادية عميقة تجلّت في نتائج في الانتخابات المحلية في آذار/مارس 2023، وفي ظل الظروف الحالية، سيفضل الناخب الكردي التصويت لمرشحي المعارضة.


لا يزال على أردوغان اقناع قاعدته الانتخابية، التي لا تزال متشككة تجاه أي عملية سلام مع العمال الكردستاني، وقد أظهر استطلاع رأي حديث أن ثلاثة من كل أربعة أشخاص يعارضون عملية السلام، بمن فيهم غالبية مؤيدي حزب العدالة والتنمية الحاكم.


من جهته، رحب حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي بمبادرة السلام، لكنه شدد على أن أي إصلاحات ديموقراطية موجهة للأقلية الكردية يجب أن تُمد إلى المجتمع التركي ككل – بدءاً بالإفراج عن إمام أوغلو، الخصم السياسي الأبرز لأردوغان.
وبينما يُنظر إلى عملية السلام على أنها انتصار سياسي لأردوغان، فإنها قد تتحول إلى عبء عليه، إذ يواجه خطر الوقوع بين قاعدة انتخابية متشككة وشعب كردي يزداد نفاد صبره ويطالبه بالإصلاحات.

 

“قسد” بعد حلّ “العمال الكردستاني”

في العراق، تُبدي قيادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل استعداداً للالتزام بدعوة عبد الله أوجلان، لكن الوضع نفسه ليس سارياً على الجماعات الأخرى المرتبطة بالحزب أيديولوجياً.


لا يزال أحد الأسئلة الكبرى في مسار السلام قائمة حول تداعياته على الجماعات الكردية الأخرى، خصوصاً في شمال شرقي سوريا.


الرئيس أردوغان شدد على أن قرار الحزب يجب أن يشمل “كافة امتداداته” في سوريا والعراق وأوروبا. غير أن قائد قوات سوريا الديمقراطية (“قسد”) مظلوم عبدي، رحّب بالخطوة، لكنه أكد أنها لا تشمل قواته، التي وقّعت اتّفاقاً أولياً مع الحكومة السورية الجديدة للاندماج في الجيش الوطني، دون أن تتنازل عن استقلاليتها.


محللون أتراك يرون أن تفكيك الحزب قد يُعيد رسم موازين القوى في المنطقة. إذ تعتبر تركيا وحدات حماية الشعب، العمود الفقري لـ “قسد” تهديداً لأمنها القومي. ورغم بدء أنقرة باستخدام مصطلح “قسد” بدلاً من العمال الكردستاني في وصف هذه القوات، إلا أن مصير قسد لا يزال محوراً حساساً في أي تسوية سورية-تركية مقبلة.

في الداخل السوري، طرحت الحكومة الانتقالية فكرة دمج القوات الكردية ضمن الجيش، لكنها رفضت منحها وضعاً خاصاً. ويعتقد مراقبون أن حل العمال الكردستاني سيفتح الباب أمام قسد والإدارة الذاتية لتمثيل الأكراد في سوريا الجديدة، شريطة توفير ضمانات دستورية.


أما جماعة PJAK الكردية في إيران، فرحبت بالمسار التركي دون أن تُبدي نية للحل أو نزع السلاح، مع تسجيل نشاط متزايد لها بالتزامن مع الضربات الإسرائيلية التي استهدفت إيران الشهر السابق.


رغم أهمية قرار حلّ الحزب، يبقى نجاحه رهن مسارات أكثر تعقيداً تتصل بمستقبل الأكراد في تركيا وسوريا وإيران. فالسلام، كما يبدو، بدأ لكنه لا يزال بحاجة إلى طريق طويلة من التفاوض، والنوايا الصادقة، والإرادة السياسية.