ذكاء مناخي: صراع البيانات في مواجهة الغبار والرياح

ذكاء مناخي: صراع البيانات في مواجهة الغبار والرياح

لا تكتمل جدوى مشاريع الطاقة المتجددة دون القدرة على التنبؤ الدقيق بإنتاجها، وهي مهمة لطالما مثّلت تحدياً كبيراً في ظل تقلبات الطقس وصعوبة توقع العوامل البيئية بدقة كافية. خلال السنوات الأخيرة، بدأت تقنيات الذكاء الاصطناعي تؤدي دوراً محورياً في مواجهة هذا التحدي، من خلال نماذج تنبؤية متقدمة تعتمد على تحليل كميات ضخمة من البيانات المناخية والبيئية، لتخطيط مشاريع الطاقة وتشغيلها بكفاءة أعلى.

 

لفهم هذا التحوّل من داخل المنطقة، أجرت “النهار” مقابلة مع المهندس سامر عدنان الزوايدة، خبير في أسواق الكربون وإدارة الطاقة، ومتابع لتقنيات الذكاء الاصطناعي في المناخ والطاقة، تحدث فيها عن واقع هذه التطبيقات عربياً، والفرص المتاحة، والعوائق البنيوية التي لا تزال قائمة.

 

الذكاء الاصطناعي لا يُمكن فصله عن ثلاث ركائز أساسية: البيانات، الخوارزميات، والحوسبة العالية الأداء. من دون هذه المكوّنات، يبقى الذكاء الاصطناعي عاجزاً عن تقديم القيمة الحقيقية في مجال الطاقة”، يوضح الزوايدة، مشدداً على أن معظم دول المنطقة لا تزال تفتقر إلى البنية التحتية المتكاملة لجمع البيانات وتحليلها على نطاق زمني وجغرافي واسع.

 

ورغم هذا القصور، يشير إلى أن المنطقة تتمتع بموقع جغرافي مثالي، خاصة في ما يتعلق بالطاقة الشمسية، لكونها تقع ضمن نطاق الحزام الشمسي، ما يوفّر إشعاعاً عالياً يمكن استثماره على مدار العام. إلا أن فعالية الألواح الشمسية تتأثر بعوامل مناخية غير ثابتة، مثل الغبار والرطوبة ودرجات الحرارة القصوى، ما يجعل التنبؤ بالإنتاج عملية معقدة ما لم تُعزز بأنظمة ذكاء اصطناعي.

أما بالنسبة إلى طاقة الرياح، فيوضح الزوايدة أنها أكثر تقلباً وتتطلب قياسات طويلة الأمد تصل إلى ثلاث سنوات في المواقع المستهدفة، إلى جانب خوارزميات دقيقة لاحتساب مدى استقرار الرياح، وهو أمر لا يزال محدوداً في عدة دول عربية.

 

يبرز الأردن كنموذج ناجح نسبياً في هذا المجال.

حققنا في الأردن اختراقاً حقيقياً من خلال العدّادات الذكيّة، التي ترسل البيانات كل خمس عشرة دقيقة إلى مراكز التحكم، حيث تُحلل عبر أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي”، يقول الزوايدة. وأضاف أن هذه الخطوة ساعدت في تحديد الأعطال، وتقليل الفاقد، وتحسين الكفاءة التشغيلية، ما انعكس على الجدوى الاقتصادية للمشاريع.

إلى جانب ذلك، تعمل إحدى الشركات الرائدة في مجال تنظيف الألواح الشمسية الكهروضوئية في المملكة على مشروعات نوعية مثل “خريطة الغبار” للتنبؤ بموجات الغبار التي تعوق إنتاج الطاقة الشمسية، وتطوير نظام تنظيف روبوتي للألواح الشمسية، يتيح تنظيفاً شبه يومي دون الحاجة للتدخل البشري، ما يعزز الإنتاج بنسبة ملحوظة.

 

التحوّل لا يتوقف عند حدود المشروع الفردي، بل يمتدّ إلى مستوى إقليمي. يشير الزوايدة إلى أن الربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون الخليجي يشكل منصة أولى نحو شبكة كهرباء عربية موحدة تشمل شمال أفريقيا، ما يتيح تبادل البيانات وتوزيع الأحمال بكفاءة، باستخدام خوارزميات تحليل ذكيّة.

 

كلما زادت كمية البيانات المتاحة، زادت دقة التوقعات، وزادت فعالية الذكاء الاصطناعي. لذلك نحن بحاجة إلى استثمار طويل الأمد في بنية البيانات، لا فقط في الألواح أو التوربينات”، يقول.

 

ويختم الزوايدة بالقول إن مستقبل الذكاء الاصطناعي في الطاقة يتجاوز التنبؤ، ليشمل إدارة الاستهلاك، وتخزين الطاقة، وتوزيعها، وفق احتياجات الشبكة لحظة بلحظة. كما أن انخفاض تكلفة هذه التقنيات، وتوافر أدوات تحليل مجانية أو شبه مجانية، يمنح دول المنطقة فرصة نادرة للانتقال إلى أنظمة طاقة مرنة ومستدامة، إذا ما توفرت الإرادة السياسية والبنية التحتية المناسبة.