سعاد السويدي: أول مُصوّرة للحياة البرية في الإمارات تُناقش شغفها والتحديات التي تواجهها في مهنتها

في هذا اللقاء، نتحدّث مع المصورة الإماراتية سعاد السويدي، أول امرأة من الإمارات تختص بتصوير الحياة البرية. مجال نادر وغير مألوف للنساء في المنطقة، لكنه أصبح مسارًا مهنيًا اختارته سعاد عن اقتناع وتجربة شخصية.
في حديثها الى “النهار”، تروي كيف بدأت هذه الرحلة خلال دراستها في الولايات المتحدة، وكيف تحوّلت هواية بسيطة إلى مسار احترافي مليء بالتحديات. كذلك تتناول الصعوبات التي واجهتها في الميدان، والتجارب القاسية في أقسى الظروف المناخية، وأهمية التصوير في توثيق الحياة البرية والدفاع عنها.
ما اللحظة أو التجربة التي دفعتكِ لاختيار تصوير الحياة البرية تحديدًا؟
– هذا الفصل من حياتي لم أختره بنفسي، فأنا لا أؤمن بالمصادفات، ولكن أقدار الله تعالى كانت السبب الرئيسي في سلوكي هذا الطريق. بدأ الأمر حين شعرت بالوحدة خلال دراستي في الولايات المتحدة، ووقتها راودني إحساس بالوحده، فصرت أبحث عمن يرافقني، ليس على هيئة إنسان، بل في شكل هواية ترافقني أينما ذهبت. علمًا أنني نشأت من دون أي حب للحيوانات، ولا أزال حتى اليوم أشعر بالخوف من الحيوانات الأليفة والمروّضة.
ما الشعور الذي تحاولين نقله من خلال صور الحيوانات البرية؟
– أحاول من خلال صور الحيوانات البرية، نقل إحساس الانبهار بعظمة الطبيعة، عظمة ما خلقه الله لنا، وإبراز تفاصيل القوة والجمال والبراءة في عيون هذه المخلوقات. أود أن يشعر المتلقي بروح المغامرة والدهشة، وأن يدرك كم أن الحياة البرية مليئة بقصص ملهمة تستحق أن تُروى وتحظى بالحماية. فهناك تشابه كبير بين قصص الإنسان والحيوان، فكلاهما يواجه تحديات ويعيش صراعات ويبحث عن الأمان والانتماء.
صورة اتخذت بعدسة المصورة سعاد المعمري (من المصورة)
هل هناك صورة التقطتيها وغيّرت شيئًا بداخلك؟
– لاتزال قصة تلك اللبؤة عالقة في ذاكرتي، حين رأيتها تدافع بشراسة لا تعرف الخوف عن أشبالها، في معركة سال فيها الدم، وارتفعت فيها زئير الأسود. قاتلت بكل ما تملك من قوة، حتى أبعدت أسود قبيلة أخرى كادت أن تفتك بصغارها. وحين خيّم الهدوء، انسحبت إلى ركن قصيّ تلملم فيه أنفاسها، فاقتنصت تلك اللحظة لأوثقها بعدستي. وهناك، اكتشفت سرًّا خفيًّا؛ فقد كانت عمياء في إحدى عينيها (عوراء)، لكن عيون قلبها كانت أوسع من الكون، وقوتها أبهرتني أكثر مما تصفه الكلمات.
احكي لنا قصتها. ما أصعب موقف واجهته أثناء التصوير في البرية، وكيف تصرفتِ؟
– في سلسة جبال الهيمالايا، حين لامستُ السماء على ارتفاع خمسة آلاف متر فوق سطح البحر، والبرد يلسعني بحرارةٍ تبلغ ثمانيةً وعشرين تحت الصفر، بدأ الأوكسجين يخذل جسدي شيئًا فشيئًا. الطبيبة أوصت بإخلائي إلى كازا، حيث الأرض أوطى قليلًا من سبتي فالي، لكنني أبَيتُ التراجع، وتمسّكت بحلمي أن أوثّق النمر الثلجي النادر.
قررت أن أكمل المسير بجهاز الأوكسجين، رغم أن في تلك القمم المتجمّدة، لا يوجد سوى أسطوانة واحدة، وفي حال احتاجها آخر، سنكون حقًا في معركةٍ من أجل البقاء.
لكن قلبي كان أقوى من الخوف، وإصراري صعد بي فوق حدود المستحيل. وبفضل الله، لم أكتفِ بتوثيق النمر الثلجي النادر فحسب، بل التقطت بعدستي الثعلب الأحمر النادر، ووصلتُ إلى أعلى محطة بترول في العالم، وأعلى مكتب بريد في العالم، واكتشفت في تلك القمم قصصًا لا تُروى إلا لمن امتلك شجاعة الصعود.
كيف تتعاملين مع الخطر أثناء الاقتراب من الحيوانات، هل هناك تدريب خاص؟
– التعامل مع الخطر حين أقترب من عوالم الحيوانات المفترسة، هو مزيج من شجاعة ويقظة واحترام لتلك الأرواح التي تشاركنا الأرض. لم أتلقَّ تدريبًا خاصًا، لكنني تعلمت من صمت الطبيعة، ومن نظرات العيون اللامعة وسط الأدغال، كيف أقترب وكيف أبتعد؟
أراقب بحذر، أقرأ إشارات الخوف والغضب، وأؤمن بأن الصبر هو مفتاح النجاة، وأن خطوتي يجب أن تكون خفيفة كنسمة، كي لا أقتحم عالماً ليس لي.
وما كان لي من درع أصدق من توكلي على الله، ومن أذكارٍ ودعاءٍ يحيطان بي كحصنٍ من نور، يزرع في قلبي طمأنينة، ويبعد عني شرَّ ما أخشى.
التصوير عندي ليس مجرد لقطة، بل عهدٌ أن أحفظ جمال البرية وأحترم أسرارها، وأظل شاهدةً على قصص تُروى بعيون الصمت وصدى الريح
هل تعتبرين التصوير وسيلة لحماية الحياة البرية، وكيف؟
– نعم، أرى التصوير وسيلة لحماية الحياة البرية، بل أراه لغة صامتة تنطق بما تعجز عنه الكلمات. عدستي ليست مجرد أداة توثيق، بل جسر يصل بين عوالم خفية وقلوب البشر. أصوّر لأكشف أسرار البرية، ولأروي حكايات مخلوقات تنبض بالحياة، لكنها مهددة بالصمت الأبدي إن لم نحسن حمايتها.
في كل صورة ألتقطها نبضُ قلب، وصوتُ استغاثة، ولمحةُ جمالٍ يستحق البقاء. أؤمن بأن الصورة الصادقة قادرة على إيقاظ الضمائر، وإشعال شرارة التغيير، لأنها تزرع في الروح دهشةً وحبًا ومسؤولية.
أصوّر كي أقول للعالم: هناك كائنات تُقاتل لتبقى، وغاباتٌ تُبتر أوصالها بصمت، وأنه لا جمال يدوم ما لم نحمه. التصوير عندي فعل مقاومة، ورسالة أمل، ووعد بأن البرية ستظل تنبض بالحياة إذا امتدت إليها أيدينا بالرحمة والرعاية
ما الرسالة البيئية التي تحاولين إيصالها من خلال أعمالك؟
– من خلال أعمالي، أحاول أن أُوقظ في الآخرين شعورًا بالمسؤولية نحو كوكبنا ومخلوقاته. أصوّر الحياة البرية ليس لجمالها فحسب، بل لأُظهر هشاشتها وأهميتها في توازن الطبيعة. رسالتي البيئية أن لكل كائن دوراً، وأن الحفاظ على التنوع البيولوجي هو حماية لحياتنا نحن أيضًا. أؤمن بأن الصورة الصادقة قد تغيّر نظرة، وتوقظ ضميراً، وتدفع إلى فعل يُنقذ بيئة بأكملها.
صورة اتخذت بعدسة المصورة سعاد المعمري (من المصورة)
كيف ترين دورك كامرأة إماراتية في مجال لا يزال نادرًا للنساء، وهل تلقيتِ دعمًا أو تشجيعًا محليًا؟
– أرى دوري كامرأة إماراتية وعربية في هذا المجال النادر للنساء مسؤولية وفخراً في آن واحد. فأنا أحمل رسالة تمكين وإلهام، وأكسر الصورة النمطية عن حدود ما يمكن للمرأة أن تحققه. وجودي في ميادين الحياة البرية، حيث المغامرة والمخاطر، يثبت أن الشغف لا يعرف جنسًا ولا حدودًا. ذهبت لأكتشف ما خلقه الله، ولأكون قريبة من الخالق، فأجد في الطبيعة آيات عظيمة تُعمِّق إيماني وتشعل شغفي.
أشعر أنني أمثّل بلدي وهويتي، وأفتح الباب لنساء أخريات ليدركن أن لهن مكانًا في كل مجال، مهما بدا صعبًا أو غير مألوف. وأسعى من خلال عملي إلى إيصال صورة مشرّفة عن المرأة الإماراتية والعربيه القوية والطموحة، التي تحمل رسائل سامية للعالم مثل حماية الطبيعة، اتباع شغف وغيرهما الكثير.

صورة اتخذت بعدسة المصورة سعاد المعمري (من المصورة)