نتنياهو يؤجل الهدنة بحثًا عن ضمانات أميركية تمتد من غزة إلى إيران.

نتنياهو يؤجل الهدنة بحثًا عن ضمانات أميركية تمتد من غزة إلى إيران.

من المؤكد، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كان يمني النفس في أن يعلن عن التوصل إلى هدنة الشهرين في غزة، بمعية ضيفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لكن تبين أن إبرام الهدنة دونه الكثير من الحسابات السياسية المتصلة بالداخل الإسرائيلي والإقليم.

قبل أن تلين قناة نتنياهو ويمنح موافقته النهائية على الهدنة، يطمح إلى تعهدات من الرئيس الأميركي، توافق واشنطن بموجبها على تضمين المفاوضات التي ستجري في فترة الشهرين على اتفاق دائم لوقف العمليات العسكرية، مسألة تخلي “حماس” عن غزة إدارياً وسلطوياً. وبكلام آخر، تحقيق الهدف الرئيسي للحرب، ألا وهو أن تكون غزة بلا “حماس”.
لا يتخيل نتنياهو وقفاً للحرب طالما “حماس” تملك نفوذاً في القطاع، وسيبقى “نصره المطلق” مطعوناً فيه. أما كيف يمكن إقناع الحركة بإلغاء وجودها، فتلك مهمة يلقي بها على الوسطاء وعلى أميركا.
لا يعير نتنياهو كثير انتباه إلى تأييد غالبية الرأي العام الإسرائيلي وقف الحرب، سبيلاً لاستعادة الأسرى الإسرائيليين الأحياء والأموات. ولا يأخذ في الاعتبار إعلان رئيس أركانه الجنرال إيال زامير، أن الشروط للتوصل إلى هدنة في غزة “باتت متوافرة”. زامير يتحدث عن واقع ميداني ستجد إسرائيل نفسها فيه متورطة في حرب استنزاف طويلة. وارتفاع أعداد قتلى الجيش الإسرائيلي في كمائن “حماس” في الأيام الأخيرة، تؤكد صحة مثل هذه التوقعات، وهو سبق أن حذر من أن إسرائيل لو احتلت كامل قطاع غزة، فإنه من الصعب عليها “السيطرة” على مليوني فلسطيني.
مسألة أخرى، تؤخر موافقة نتنياهو على الهدنة، وهي تتعلق برغبته في إرجاء الموافقة على وقف النار إلى ما بعد العطلة الصيفية للكنيست التي تبدأ في 27 تموز/ يوليو الجاري. مع بدء العطلة، لن يكون في الإمكان التصويت على إسقاط الحكومة، كما يهدد الوزيران المتشددان إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، حتى تشرين الأول/ أكتوبر.
 وخارج غزة، لم يثر كلام ترامب عن الرغبة في معاودة المفاوضات مع إيران ارتياحاً لدى نتنياهو. فهو كان يطمح إلى الحصول على ضوء أخضر أميركي لتوجيه مزيد من الضربات لإيران لمنعها من ترميم قدراتها النووية أو الصاروخية. ويتعين التوقف عند ما نقلته “رويترز” عن مسؤول إسرائيلي خلال زيارة نتنياهو لواشنطن، مفاده أن الاستخبارات الإسرائيلية تقدر بأن اليورانيوم المخصب لا يزال موجوداً في منشآت فوردو ونطنز وأصفهان، وإن كان من الصعوبة بمكان الوصول إليه.
تُناقض هذه المعلومات تأكيدات ترامب عن “محو” البرنامج النووي الإيراني، بفعل الضربات الأميركية والإسرائيلية خلال حرب الأيام الـ12 في حزيران/ يونيو. إن توجه ترامب نحو العودة إلى التفاوض مع الإيرانيين، هو مبعث غرابة كبيرة لدى نتنياهو، لأن طموحه هو تحويل وقف النار مع إيران إلى وقف للنار على غرار ذاك الذي أبرم مع لبنان، بحيث تحتفظ إسرائيل بحرية التحرك ساعة تشاء. أما ترامب، فيحاذر الانخراط في هجمات متكررة قد تقود إلى تورط أوسع.
 وعلاوة على إيران، يهم نتنياهو ممارسة إدارة ترامب أقصى قدر من الضغوط على النظام الجديد في سوريا، للمضي في ترتيبات أمنية وسياسية مع إسرائيل. مثل هذه الترتيبات ستزيد الضغط على لبنان والعراق، لتلبية المطالب الأميركية بـ”حصرية السلاح” في يد الحكومتين في البلدين.
ولا تغيب عن أجندة نتنياهو، مطالبة ترامب بعدم الربط بين الجهود الأميركية للتطبيع بين السعودية وإسرائيل، والعودة إلى الحديث عن قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة.
بقدر ما تبدو شروط نتنياهو تعجيزية، بقدر ما يثبت أنه تمكن من جر ترامب إلى مربع سلفه جو بايدن.