ثروات القابضة: القوة الغير مرئية وراء التحول الاقتصادي في السعودية

ثروات القابضة: القوة الغير مرئية وراء التحول الاقتصادي في السعودية

بينما تنفق المملكة العربية السعودية تريليونات الدولارات لإعادة تشكيل اقتصادها ضمن إطار “رؤية 2030″، برزت شركة استثمارية غير معروفة نسبيًا تُدعى “ثروات القابضة” كأحد اللاعبين المؤثرين خلف الكواليس، وتشرف عليها شخصيًا شقيق ولي العهد، الأمير تركي بن سلمان.

تلعب “ثروات القابضة” دورًا محوريًا في تنظيم دخول الشركات الأجنبية إلى السوق السعودية، وذلك بالتوازي مع دور صندوق الاستثمارات العامة، الذي يُعدّ المحرك الرئيسي لرؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وتُقدَّر قيمة الأصول التي تُشرف عليها “ثروات” بما لا يقل عن 250 مليار دولار، وفقًا لمطلعين على أنشطتها.

وتوجّه الشركة تدفّقات الاستثمار الأجنبي إلى قطاعات استراتيجية تشمل البنية التحتية والتعدين والدفاع والاتصالات، كما تُشرف على شبكة من المقاولين المنفّذين لمشاريع التنمية العملاقة في المملكة، وتقوم بتأمين التمويل وضبط الإنفاق، وهو أمر بالغ الأهمية مع اقتراب تكلفة خطط التنويع الاقتصادي من حاجز التريليوني دولار.

 

ومن أبرز هذه المشاريع، مشروع “نيوم”، الذي أُعلن عنه عام 2017 بتكلفة مبدئية 500 مليار دولار، إلا أن التقديرات الحديثة تشير إلى أنه قد يتجاوز 1.5 تريليون دولار عند اكتماله. وفي هذا السياق، يُنظر إلى “ثروات القابضة” على أنها مكملة لدور صندوق الاستثمارات العامة البالغة أصوله تريليون دولار.

ثروات القابضة (وكالات)

 

 

ويُشير مثال واقعي إلى تدخل “ثروات” لخفض تكاليف تنفيذ بعض عقود نيوم، إذ أجبرت إحدى شركات المقاولات على تقديم عرض أقل بعد أن تقدمت جهة مدعومة من “ثروات” بسعر منافس، ما وفّر مئات الملايين من الدولارات. كما طُلب من شركة أخرى، كانت تسعى إلى إنشاء مصنع في نيوم، الاجتماع مع “ثروات” كشرط للمتابعة.

وتعمل الشركة من مقرّ في الرياض قريب من أحد المشاريع العملاقة المستقبلية، والذي يضم ناطحة سحاب مكعّبة الشكل بحجم يكفي لاستيعاب 20 برجًا من طراز “إمباير ستيت” الأميركي.

 

وتُعد “ثروات القابضة” واحدة من كيانات قليلة في الشرق الأوسط ذات روابط مباشرة بالعائلات الحاكمة، إلى جانب كيانات في الإمارات مثل مجموعة “رويال غروب” التابعة للشيخ طحنون بن زايد، و”AC Limited” للرئيس الشيخ محمد بن زايد، و”مجموعة أبوظبي كابيتال” التابعة لوالدتهما الشيخة فاطمة بنت مبارك الكتبي.

 

وكما هو الحال مع “رويال غروب”، التي تبلغ قيمة أصولها نحو 300 مليار دولار وتشكّل جزءًا من إمبراطورية الشيخ طحنون المقدّرة بـ1.5 تريليون دولار، تساهم “ثروات القابضة” في دفع عجلة القطاعات الحيوية وفقًا لأولويات الدولة.

 

 

 

 

 

يرأس الأمير تركي بن سلمان “ثروات” منذ أكثر من عشر سنوات، وكان في السابق رئيسًا لمجموعة الأبحاث والتسويق السعودية. وتوسّعت الشركة لتضم نحو 100 موظف، بقيادة مديرها التنفيذي عمر السلهم، الذي تولّى المنصب منذ عام 2011 بعد عمله في هيئة السوق المالية السعودية.

 

الوصول إلى قيادات الشركة يتم وفق ضوابط صارمة. فقد رُفضت مؤخرًا طلبات مقابلة من قِبل شخصيات تنفيذية بارزة في مجموعات إقليمية كبرى، رغم ما تملكه شركاتهم من رؤوس أموال وصلات محلية واسعة، إذ أُبلغوا بأن الاجتماعات لا تُعقد إلا بحضور مؤسسي تلك الشركات بأنفسهم.

 

 

هذه الرسالة تعكس فلسفة “ثروات”: القرار بيد النخبة، وفق شروطها الخاصة.

 

 

ومن بين الصفقات اللافتة التي تشير إلى دورها المتنامي، استحواذها في عام 2014 على بنك “كوانتوم للاستثمار”، ما مهّد الطريق لصفقات مالية عبر الحدود، من بينها صفقة شراء 50 طائرة إيرباص لصالح الخطوط السعودية.

 

 

كما تتعاون “ثروات” مع شبكة ضيّقة من الشركات المحلية لجلب منتجات وخدمات عالية الجودة في قطاعات مثل البناء والتعليم والاستزراع السمكي والموارد الطبيعية، وتسعى أيضًا لاستقطاب تقنيات متخصصة يمكن توطينها داخل المملكة.

 

وفي كثير من الأحيان، يُقال إن الكلمة الأخيرة، مهما كان حجم الصفقة أو القطاع، تعود للأمير تركي بن سلمان شخصيًا.