الإمارات تسعى نحو نموذج عالمي لتنظيم التكنولوجيا في عصر الذكاء الاصطناعي.

بينما تتسارع التحولات التكنولوجية في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحيوية والتمويل الرقمي، تبقى الأطر التنظيمية في كثير من الأحيان عاجزة عن مواكبة هذا التغير. وفي استجابة طموحة لهذا التحدي، أُعلن في جنيف عن إطلاق المنصة العالمية للابتكار التنظيمي (GRIP)، وهي مبادرة مشتركة بين دولة الإمارات والمنتدى الاقتصادي العالمي، تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في الطريقة التي تتعامل بها الحكومات مع الابتكارات التقنية.
تهدف GRIP إلى سد الفجوة بين تطور الصناعة والتشريعات، عبر إشراك الحكومات وقادة القطاع الخاص وخبراء التكنولوجيا في تصميم أدوات تنظيمية مرنة واستباقية. وكما قال بورغه بريندي، رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي:
“الابتكار يتحرك بسرعة – ويجب على التنظيم أن يواكبه. GRIP تمكّن الحكومات من ابتكار أطر سياساتية مرنة واستباقية، جاهزة للتعامل مع تقنيات المستقبل”.
من بين المخرجات المتوقعة للمنصة خلال العامين المقبلين:
*كتاب تنظيمي عالمي يتضمن أطراً عملية ودراسات حالة لحوكمة الابتكار.
*مؤشر الجاهزية المستقبلية، لتقييم استعداد الدول للتقنيات الناشئة.
*مختبر للابتكار التنظيمي، لتمكين الجهات التنظيمية من اختبار الحلول بالتعاون مع القطاع الخاص.
وفي السياق، أجرت “النهار” مقابلة مع الدكتور هاني الغانم، المختص في الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، والذي علّق قائلاً:
“المنصة العالمية للابتكار التنظيمي GRIP لا تقتصر على كونها منصة للتعاون بين الحكومات والشركات والخبراء، بل تقدم أيضاً كتاباً تنظيمياً عالمياً يتضمن إطاراً عملياً ودراسات حالة لحوكمة الابتكار”.
ويضيف الدكتور الغانم أن أهمية GRIP تكمن في أنها توفر مرجعية مرنة يمكن الرجوع إليها عند ظهور تقنيات حديثة لم يسبق تنظيمها، ما يُسرّع من تبني الابتكارات ويقلص الفجوة الزمنية بين ظهور التقنية واعتمادها، قائلًا:
“هذا يتيح الاستفادة المبكرة من الابتكارات، ويُحسّن جودة الخدمات الحكومية وتجربة المتعاملين وأصحاب المصلحة”.
دور الإمارات الريادي
منذ سنوات، تتخذ الإمارات خطوات متقدمة لتعزيز حضورها في الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي. ففي عام 2017، كانت أول دولة تعيّن وزيراً للذكاء الاصطناعي، وتبنت لاحقاً استراتيجية وطنية شاملة في هذا المجال، إلى جانب تأسيس جامعة متخصصة هي جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي.
ولتأكيد توجهها الاستراتيجي، أعلنت الدولة أنه اعتباراً من يناير المقبل، سيصبح النظام الوطني للذكاء الاصطناعي عضواً استشارياً في مجلس الوزراء ومجلس التنمية الوزاري ومجالس إدارات الجهات الحكومية، وفق ما أعلنه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.
وفي كلمتها خلال منتدى دافوس الاقتصادي، أكدت معالي مريم الحمادي، وزيرة دولة والأمينة العامة لمجلس الوزراء، أن الإمارات تُعد من أكثر الدول تقدماً في المجال الرقمي، مشيرة إلى أن استراتيجيتها الطموحة أسهمت في توفير مليارات الدولارات، وزيادة الكفاءة، وجذب أفضل الكفاءات العالمية في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وقالت في تصريح رسمي:
“الاقتصادات المستدامة لا يمكن أن تزدهر إلا ضمن أُطر تنظيمية مرنة واستشرافية. جودة حياة مجتمعاتنا في المستقبل تعتمد اعتماداً متزايداً على عمل المنظومات التنظيمية اليوم”.
أهمية الشراكات الدولية
وفي تعليقه على أهمية التعاون العالمي في هذا الإطار، أشار الدكتور هاني الغانم إلى أن الشراكات الدولية تلعب دوراً حيوياً في بناء أطر تنظيمية تدعم الابتكار وتعزز الثقة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، موضحاً:
“الجهود الدولية تساهم في بناء أطر العمل بشكل أكثر فعالية، من خلال الاستفادة من الخبرات العالمية والمقارنات المعيارية في الدول والشركات الرائدة، ما يُسهم في تسريع تبني الابتكارات الحديثة”.
وأكد أن هذه الشراكات تمكّن من صياغة سياسات مرنة ومسؤولة تدعم الاستخدام الآمن والمستدام للتقنيات الحديثة في وقت قياسي.
شركاء المعرفة
تشارك مجموعة بوسطن الاستشارية في المنصة بصفة شريك معرفي، إلى جانب شبكة من الخبراء القانونيين والتقنيين والتنظيميين حول العالم، ما يعزز من فرص تطوير سياسات تواكب الطفرات التقنية المتسارعة، وتُسهم في بناء مستقبل تنظيمي أكثر جاهزية، وابتكاراً، واستدامة.