ألمانيا تزيد ميزانية الدفاع وتقلص المساعدات: إنفاق عسكري على حساب دعم المحتاجين

ألمانيا تزيد ميزانية الدفاع وتقلص المساعدات: إنفاق عسكري على حساب دعم المحتاجين

نظراً لاختلاف الأولويات، تتّسع في ألمانيا الفجوة بين الإنفاق الدفاعي والإنفاق التنموي. فقد أصبحت الأموال المخصّصة للتعاون الإنمائي والإغاثة من الجوع والفقر ضئيلة مقارنةً بالأعوام السابقة، بفعل تغيّر الأهداف والطموحات والإطار الزمني. وفي هذا السياق، خفضت الحكومة الفيدرالية مخصّصات الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية بنحو مليار يورو مقارنة بعام 2024، لتقتصر الميزانية على 10.3 مليارات يورو بدلاً من 11.2 مليار، ما سيؤدّي إلى تقليص تمويل برامج التنمية لصالح الإنفاق العسكري والتسلّح.
فما هي مقاربات برلين الجديدة؟ وكيف تبدّلت أرقام المساعدات الإنسانية والتنموية للدول الفقيرة، وسط تحذيرات منظمات الإغاثة، ومطالبات بمعالجة سياسية ومالية شاملة للتخفيضات التي طالت ميزانية عام 2025؟

 

ألمانيا أولاً
برّرت الحكومة الاتحادية تقليص التمويل الإنمائي بالسعي لتحقيق وفورات في عدد من الإدارات والوزارات، مع تركيز مستقبلي على مكافحة أسباب الهجرة، وتشجيع الاستثمارات الخاصة من الشركات والجهات الراعية. ووصف وزير المالية لارس كلينغبايل الهدف الرئيسي للميزانية الجديدة بأنه تحفيز الاقتصاد، في إطار سعي ألمانيا لأن تصبح أكثر حداثة وأماناً، بالتوازي مع تنفيذ إصلاحات هيكلية.
وقد دفعت هذه التخفيضات التدريجية العديد من منظمات الإغاثة للتعبير عن إحباطها، لا سيّما أنّها أدّت دوراً محورياً خلال السنوات الماضية في مواجهة الأزمات في الدول النامية، من خلال مكافحة الجوع والفقر وتعزيز التنمية المستدامة.
وأشارت تلك المنظمات إلى أن ميزانية عام 2025، بحسب وزارة المالية، ستبلغ أكثر من 503 مليارات يورو، سيذهب الجزء الأكبر منها إلى وزارة الدفاع لزيادة التسلّح وتحسين البنية التحتية، إضافة إلى مشاريع التطوير والرقمنة. كل ذلك، بحسب المنظمات، سيكون على حساب القضايا الإنسانية.

 

أولوية العسكر على حساب الإنسان
ومع تصاعد النقاش بشأن مستقبل سياسة التنمية، وفقدان المليارات التي كانت مخصّصة لإنقاذ الأطفال من الجوع والرعاية، يقول الباحث السياسي والاجتماعي أوليفر براونه، لـ”النهار”، إن “التخفيضات الهائلة تُظهر بوضوح أن الأولويات تغيّرت في السياسات الألمانية، إذ ينصبّ التركيز الآن على السياسة الأمنية والعسكرية، على حساب أموال التعاون الإنمائي، التي تواجه تراجعاً تراكمياً متدرّجاً بالمليارات”.
ويضيف: “بالمقابل، ارتفعت مخصصات وزارة الدفاع لإعادة تسليح وتجهيز الجيش الألماني، ولدعم الناتو وحماية أوروبا، ومن المتوقع أن تصل ميزانيتها إلى نحو 62.4 مليار يورو في 2025، بزيادة تفوق 10 مليارات عن العام الماضي، ثم إلى 82.7 ملياراً في 2026، و93.3 ملياراً في 2027، لتبلغ قرابة 152 ملياراً بحلول عام 2029”.
ويلفت إلى أنه وفقاً للبيانات المخطط لها، سيتقدّم الإنفاق العسكري الألماني على نظيره في دول نووية مثل الهند والمملكة المتحدة وفرنسا، علماً بأن النسبة المعتمدة دولياً للمساعدة الإنمائية الرسمية بحسب أهداف الأمم المتحدة هي 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد بلغ المعدل الألماني 0.67% عام 2024.

 

دعم الإنسان في خطر
أمام هذا التراجع الكبير في المساعدات، يجمع عدد من خبراء التنمية على أن زيادة التمويل لمساعدات التنمية الخارجية تساعد الدول الفقيرة في تحقيق تنمية مستدامة، واستغلال مواردها بفعالية، والاستجابة للكوارث، وتعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي، ومكافحة الفساد، وهو ما يخدم في المحصلة الدول الغنية أيضاً.
كذلك تؤدّي المساعدات في مجالات كالتعليم، والحكم الرشيد، والرعاية الصحية، والزراعة، إلى تأثيرات فورية في مستويات الإنتاجية والأداء، ما يرفع النموّ الاقتصادي والاجتماعي في هذه الدول. وعلى المدى الطويل، تصبح تلك البلدان أقلّ اعتماداً على المساعدات الخارجية، وأكثر قدرة على تحقيق التنمية الذاتية. فالفقر والجوع، كما يقول الخبراء، ليسا كارثة طبيعية حتمية، بل نتيجة لخيارات وسياسات بشرية.
وتأتي هذه التخفيضات الألمانية في وقت شرع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع بداية ولايته الثانية، في تنفيذ تخفيضات كبيرة على مساعدات التنمية، يُتوقع أن تصل إلى نحو 80%.

 

التنمية تخدم المصالح الألمانية والأوروبية
وفيما أشارت تقارير برنامج الغذاء العالمي إلى أن القضاء على الجوع العالمي هو مسألة “إرادة سياسية”، أصدر تحالف يضم 30 منظمة إغاثة ألمانية بياناً حذّر فيه من أن عقوداً من التقدّم باتت مهدّدة، مبرزاً أن وفيات الأطفال انخفضت منذ عام 2000 إلى النصف، وكذلك وفيات الأمهات إلى الثلث، مع تقدّم كبير في مكافحة الجوع، وتمكّن الكثير من الأطفال من الالتحاق بالمدارس لأول مرة.
من جهته، قال المتحدث باسم المجلس التنفيذي للوكالة الألمانية للتعاون الدولي تورستن شيفر-غومبل إن “التعاون الدولي يعزز في المقام الأول المصالح الألمانية والأوروبية، وخاصة نموذج الازدهار الألماني”. وأشار إلى دراسة أجرتها جامعة غوتنغن وبنك التنمية الألماني، أظهرت أن صادرات السلع الألمانية ارتفعت بمعدل 36 سنتاً مقابل كل يورو استُثمر في التعاون الدولي.

في المحصلة، لا توحي المؤشرات بانسيابية القضاء على الجوع، العدوّ الأكبر للبشرية. بل على العكس، فإن تصاعد التفكير القومي الانعزالي في الغرب، بدفع من الحركات الشعبوية، يشير إلى تباطؤ واضح في تمويل التعاون الإنمائي، ما يفاقم مخاطر الفقر والأزمات الاجتماعية. ولعل أبرز مثال على ذلك، جهود إدارة ترامب لتجميد المساعدات الأميركية أو تقليصها جذرياً.

وتجدر الإشارة إلى أن الإنفاق العسكري العالمي ارتفع بين عامي 2023 و2024 بنحو 275 مليار دولار.