هل سيظل صوت غزة يتردد؟

هل سيظل صوت غزة يتردد؟

“في البدء كان الإيرلنديون”، كما تذكّر أحد الذين ردّدوا هتاف “فلسطين حرة” في شمال لندن مساء السبت الماضي، على إيقاعات فرقة الروك الإيرلندية “فاونتينز دي سي”. فهم وقفوا بمختلف تيّاراتهم وأحزابهم بقوة إلى جانب فلسطين على الصعيد السياسي. وكان فنانو إيرلندا سبّاقين إلى الدفاع عن غزة وإسماع صوتها عالياً عبر الموسيقى.

حينما صدمت فرقة موسيقى الراب الإيرلندية “نيكاب” كثيرين في بريطانيا أواخر العام الماضي بهتافها لـ”حماس” ولـ”حزب الله” الذي رفعت علمه، لفت معلقون إلى “صلة الدم” التي تجمع إيرلندا بفلسطين: تجربتهما المريرة مع الاستعمار البريطاني. وأبناؤها هم الأقدر على تفهّم صعوبات الحياة في غزة. فالبريطانيون استعملوا سلاح التجويع لتركيعهم، كما يقول مؤرّخوهم. وكانت إحدى “مآثر” لندن التي يتذكّرها الإيرلنديون بقوة بمناسبة أحداث غزة، هي “مجاعة البطاطا” التي قضت في أواسط القرن التاسع عشر على أكثر من مليون ضحيّة.

محاكمة مطرب “نيكاب” الرئيسي ليام أو هانا، 27 عاماً، الملقب بـ موشارا، بتهمة الترويج لمنظمتين محظورتين بموجب قوانين الإرهاب، لم تنته. وقد يضيف الادّعاء تهماً جديدة في أعقاب إطلاقه في مهرجان غلاستونبري شتائم بذيئة ضد رئيس الوزراء كير ستارمر. وهو اعتبر أن الهدف الأساسي له ولرفاقه في الفرقة من كلّ ما فعلوه هو “فقط أن نوقف قتل الناس” في غزة.

وفي حفلة فرقة “فاونتينز د سي” الأخيرة لم تغبْ فلسطين عن جمهور قُدر عدده بـ45 ألف شخص. خفق علمها الذي رفعته الأيدي بحماسة، كما ظهر على شاشة ضخمة نُصبت على المسرح إلى جانب أخريين ارتسمت عليهما عبارتا “فلسطين حرة” و”إسرائيل ترتكب عمليات إبادة”. وهتف المطرب الرئيسي غريان تشاتن وزملاؤه لحرية فلسطين مع الحضور. وكاد المشهد يكون نسخة مطابقة لحفلتها السابقة في برشلونة سوى أن الحضور هناك وصل إلى 75 ألفاً.

وقبل أيام، كان مهرجان غلاستونبري على موعد مع حفلة مثيرة للجدل لفرقة “بوب فيلان” الثنائية لموسيقى البانك والهيب هوب. فقد أنشد بطلها بوبي فيلان بإصرار جملة جاء فيها “الموت لجيش الدفاع الإسرائيلي”. وسرعان ما تدفق التنديد والاتهام بمعاداة السامية والدعوة إلى اعتقاله الفوري، من جانب الإعلام المحافظ والحكومة وجماعات الضغط الموالية لإسرائيل وسفارتها.

الفنان ذو الأصل الجامايكي كان صادماً في مناسبات سابقة، وهو صديق قديم لفلسطين. لكنه بلغ هذه المرة حداً من الجرأة ربما لم يصله أحد في بريطانيا منذ زمن طويل، خلافاً لإسرائيل حيث الدعوة لقتل العرب شائعة. ولوّح منتقدوه بمقاضاته بتهمة التحريض على القتل التي يعاقب عليها القانون.

بيد أن هناك من يرون أنه لم يحرّض على قتل اليهود أو المدنيين بل استهدف جيشاً يقوم بعمليات إبادة، الأمر الذي يجعله بريئاً من تهمة معاداة السامية وانتهاك القانون.

هكذا باتت غزة محور ظاهرة عنوانها العريض الاحتجاج على حرب الإبادة من خلال الحفلات الموسيقية. لكن كم سيفيدها هذا الاحتجاج إن كان صاخباً وإشكالياً إلى درجة يخطف معها الضوء عنها؟ وهل سيستطيع فنانو “نيكاب” و”بوب فيلان” الاستمرار في نشاطهم الفني، فضلاً عن نصرة غزة، إن ظلوا يغامرون بالتعرّض للمساءلة القانونية؟

لن تؤثر إجابات أسئلة مشروعة من هذا القبيل على استمرار الظاهرة نفسها. فهي لا تقتصر على حفلات “مغامرين” غاضبين. ويأمل الحريصون على إبقاء صوت غزة مسموعاً أن يخضع نمط الاحتجاج الجديد لـ”الترشيد” ويتبلور على أيدي نجوم من قماشة كريس مارتن وفرقته كولدبلاي ودامون ألبارن وغيرهم، ممّن ترجموها بهدوء في غلاستونبري.