أين سيتجه أثرياء العالم للهجرة في عام 2025؟

في مشهد اقتصادي عالمي يتسم بالتحوّل السريع وإعادة توزيع الثروات، يبرز عام 2025 كمرحلة فارقة في حركة هجرة أصحاب الملايين (HNWIs)، الذين باتوا يغادرون بيئاتهم التقليدية بحثاً عن الاستقرار والفرص الجديدة. ويبدو أن دولًا مثل الإمارات العربية المتحدة نجحت في التحوّل إلى مركز جذب للأثرياء، بينما تعاني دول أخرى مثل لبنان، من “نزيف ثروات” غير مسبوق.
وفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة “New World Wealth”، تصدرت الإمارات قائمة الوجهات الأكثر استقطابًا لأصحاب الملايين في عام 2025، بعد أن استقبلت أكثر من 9,800 مليونير جديد خلال العام، حامِلين معهم ثروات تقدَّر بـ63 مليار دولار. هذه الأرقام لم تأتِ من فراغ، بل تعكس سياسة اقتصادية منفتحة، ومناخاً ضريبياً مشجعاً، إلى جانب استقرار سياسي وأمني عزز من جاذبية الدولة كمركز عالمي للمال والأعمال. وعلى مدى العقد الماضي، سجلت الإمارات نمواً بنسبة 98% في عدد أصحاب الملايين، وهي من أعلى النسب على مستوى العالم.
صورة تعبيرية (وكالات)
الولايات المتحدة بدورها احتلت المرتبة الثانية بعد استقطابها 7,500 مليونير، تليها إيطاليا بـ3,600، وسويسرا بـ3,000، ثم المملكة العربية السعودية التي واصلت صعودها الاقتصادي مع جذب 2,400 مليونير جديد، وثروة واردة بلغت 18.4مليار دولار.
لكن في الجهة المقابلة، تظهر دول فقدت قدرتها على الاحتفاظ بالأثرياء، وكانت المملكة المتحدة على رأسها، بعد خسارتها أكثر من 16,500 مليونير، مما يُعادل نزوح ثروات بقيمة 91.8 مليار دولار. أما الصين، التي شهدت مغادرة 7,800 مليونير، فقد سجّلت خروج ثروات بقيمة 55.9 مليار دولار، في حين فقدت الهند 3,500 مليونير، وكوريا الجنوبية 2,400، وروسيا 1,500 منهم.
لبنان، وإن لم يكن ضمن الدول الخمس الأولى من حيث عدد المليونيرات المغادرين، فإن حجم التراجع فيه يبقى لافتاً ومقلقاً، إذ سجّل نزوح 200 مليونير خلال عام 2025 فقط، بما يمثل خروج ثروة تُقدّر بـ2.8 مليار دولار. هذا النزيف يأتي في سياق أوسع من الانهيار المالي، وغياب الاستقرار السياسي، وازدياد معدلات الهجرة والبطالة، مما جعله بيئة طاردة للأعمال والاستثمار.
السؤال الأهم يبقى: ما الذي يجعل بعض الدول أكثر جاذبية لأصحاب الثروات، فيما تنفر منهم دول أخرى؟ في معظم الحالات، يتعلّق الأمر بعوامل متعددة متداخلة، تشمل الاستقرار السياسي والاقتصادي، انخفاض الضرائب على الدخل والثروة، وسهولة تأسيس الشركات وتشغيلها، إضافة إلى جودة الرعاية الصحية والتعليم الخاص، وارتفاع مستويات الأمان والرفاهية. والإمارات تُجسد هذه العناصر مجتمعة، مستفيدة أيضاً من موقع جغرافي استراتيجي يربط بين الأسواق الآسيوية والأفريقية، ويجعلها بيئة مثالية للأثرياء الباحثين عن فرص استثمارية آمنة ونمو مستدام.
في المقابل، تنفر رؤوس الأموال من البيئات التي يسودها عدم الاستقرار الأمني أو السياسي، والتي تفرض ضرائب مرتفعة أو تعاني من صعوبة في حركة الأموال، أو تشهد تدهوراً في البنية التحتية والخدمات العامة. في المملكة المتحدة، مثلاً، أدت التغيّرات في السياسات الضريبية ما بعد “بريكست” إلى تراجع جاذبية البلاد. أما في الصين والهند، فالبيروقراطية، والرقابة، والأخطار الاقتصادية أضعفت ثقة المستثمرين. ولبنان، شأنه شأن روسيا، تأثّر سلباً بعوامل الحرب، والفساد، وغياب الثقة في المستقبل.
تُظهر المقارنة بين الإمارات ولبنان مفارقة واضحة تعكس مسارين متعاكسين في التعاطي مع الثروة والفرص. ففي حين استقطبت الإمارات 9,800 مليونير جديد، خسر لبنان 200. وبينما تدفقت ثروات بقيمة 63 مليار دولار إلى الإمارات، غادر لبنان ما يقرب من 3 مليارات دولار. الأهم من ذلك، أن نسبة نمو أصحاب الملايين في الإمارات خلال العقد بلغت 98%، مقابل تراجع كارثي بنسبة 60% في لبنان.
باختصار، لم يعد الأمر مجرد أرقام للأثرياء، بل بات انعكاساً مباشراً لثقة رؤوس الأموال في مستقبل الدول. والإمارات اليوم تُثبت أنها ليست فقط وجهة للعيش الفاخر، بل منصّة متكاملة للأعمال والفرص، بينما يواصل لبنان فقدان ما تبقى من طاقاته وقدراته المالية والبشرية، في ظل أزمة لا تزال بلا أفق واضح للحلّ.