الأهمية تكمن في ردود الفعل الأمريكية والإسرائيلية على الرد اللبناني

ملأ ” حزب الله” الفضاء السياسي خلال الايام العشرة الاخيرة الفاصلة السابقة لزيارة الموفد الاميركي السفير توم براك، بمواقف تصعيدية رافضة تسليم سلاحه الى الدولة اللبنانية التي اظهرت في المقابل صمتاً مدوياً خرقته تأكيدات حيال حتمية حصرية السلاح، وارتباكاً عبر عنه تسريب جواب السلطة السياسية على ورقة براك لا يرقى الى ادنى متطلبات اللبنانيين قبل الخارج . وما لم تقدم السلطة عناصر مختلفة في اللقاء مع براك على خلفية امتلاكها اوراقاً قد لا ينوي الحزب الاعلان او الكشف عنها منعاً لاضعاف موقفه او استضعافه، فإنها ستكون في مأزق في مقابل استقواء واضح من الحزب عليها وفرض اجندته على سائر اللبنانيين بأولوية مصالحه الخاصة فحسب.
وهذا ثمن باهظ تدفعه السلطة من صدقيتها ومن احتمالات الثقة بها وخصوصاً ان هذه الثقة ضعيفة في الاصل، فضلاً عن اهتزازها بعد تأجيل البت في نزع سلاح المخيمات الفلسطينية واداء الحزب كأنه هو من يقرر ويدير الامور وليس اركان السلطة. فالمقاربة التي قدمتها السلطة كانت ضعيفة عبر لجنة ثلاثية من مستشارين لا يفترض ان يحلوا محل مجلس الوزراء او لجنة وزارية تعد الرد على الافكار الاميركية وخصوصاً ان في الكواليس السياسية أحاديث عن “كارثة” بنود وقف النار الذي ابعدت عنه الدولة اللبنانية في 27 تشرين الثاني لا تزال تتفاعل في الاوساط السياسية، وان الاتفاق تم على قاعدة “مجبر اخاك لا بطل”.
عون وبراك (نبيل اسماعيل)
في مقابل تصعيد الحزب، وعشية وصوله، نشر برّاك عبر حسابه على منصة ” إكس” الآتي:
“يستيقظ أمل لبنان! الفرصة سانحة الآن” . وتابع: “إنها لحظة تاريخية لتجاوز الطائفية المتوترة في الماضي، وتحقيق وعد لبنان الحقيقي بأمل (بلد واحد، شعب واحد، جيش واحد) “. وقال: “كما دأب رئيس الولايات المتحدة على مشاركة العالم: لبنان مكان عظيم، بشعب عظيم. فلنجعل لبنان عظيماً من جديد “.
غير انه في واقع الامر لم يكتف بذلك الدفع الايجابي، بل اعاد بث تغريدة لمقال كتبه السفير اد غبريال رئيس “مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان” نشرته صحيفة “الشرق الاوسط” قبل ايام تحت عنوان “فرصة لبنان ام فرصة ضائعة”، يستعرض فيه ما بات يعرفه الجميع من ضرورة نزع سلاح الحزب تحت وطأة امرين “أن الرئيس ترمب معروف بعدم صبره. وإذا شعر بتردد أو تأخير من بيروت، فربما يعيد توجيه اهتمام الولايات المتحدة نحو ساحات أسرع حركة وتطوراً، وهي سوريا وإسرائيل، والخليج، حيث تتقدم المصالح الاستراتيجية الأميركية بشكل أوضح”. والاخر أن “المنطقة تتغير بسرعة. هذه فرصة نادرة للبنان للحفاظ على الدعم الدولي في إعادة بنائه بعد أن مزقته الحرب، إذا أرادت بيروت أن تكون جزءاً من هذا المستقبل، فعليها أن تدرك أهمية اقتراح برّاك. الوقت يمر، لكن الخيار للبنان: اغتنام هذه الفرصة، أو التخلف عن الركب” .
وواقع الامر ان الموقف الاميركي تكرر بمقاربات متعددة خلصت الى ان لبنان امام اتخاذ القرار بنزع سلاح الحزب، او ترك اسرائيل تتخذ القرار بالنيابة عنه اذا كان عاجزاً عن ذلك او تركه في حال الاستنقاع بالحد الادنى .
والنموذج قدمته اسرائيل ليل الاحد – الاثنين بمجموعة غارات لم تقتصر على مناطق في الجنوب فحسب بل شملت العمق لدى الحزب في منطقة بعلبك، كرسالة واضحة عما قد ينتظر لبنان مع احراج متجدد للحزب الذي اعلن امينه العام الشيخ نعيم قاسم الاستعداد للمواجهة وتحد له في الوقت نفسه اذا كان يستطيع ذلك فعلاً بعيداً من الخطب الكلامية، علماً ان القصف الذي قامت به اسرائيل للحوثيين في اليمن ايضاً في الوقت نفسه لا يقلل من اهمية الرسالة حول عدم تهاون اسرائيل ازاء اي اعتداء ضدها وبعنف يفوق صاروخاً اطلقه الحوثيون .
كثيرون لم يتوقعوا في ظل التوتر والتجاذب المستمرين بين الولايات المتحدة وايران، على خلفية مفاوضات قريبة محتملة بين الجانبين وفقاً للسردية الاميركية ولا مفاوضات ممكنة في المدى المنظور وفقا للسردية الايرانية، وفي ظل تشدد ايراني بالامساك بما تبقى من الاوراق الاقليمية او اذرعها وفي مقدمها “حزب الله”، ان تسفر الجهود الاميركية مع الدولة اللبنانية عن نزع سلاح الحزب. فهذا توقيت يصعب على ايران إبتلاعه بالدرجة الاولى باعتباره يحسم هزيمتها، فيما انها تعتبر انها ليست في هذا الموقع وتؤكد امتلاكها اوراقاً تتحكم بها في المنطقة .
فالمقاربة الاميركية المتحركة من ضمن رؤية اقليمية تشمل طموحات وآمالاً على كل منهما بالنسبة الى المرحلة المقبلة، مبنية على الاستفادة من ضعف الحزب ومن ضعف ايران بعد الحرب، من اجل الدفع بلبنان الى نزع سلاح الحرب. فيما ان المقاربة الايرانية تقوم راهناً واكثر من اي وقت مضى على مناهضة ذلك . وهؤلاء لا يزالون يعتقدون ان لبنان سيصل الى طريق مسدود تحت وطأة المواقف التصعيدية للحزب التي تهدد بالمواجهة، والتي يخشى ان المقصود منها هو المواجهة الداخلية في ظل عجز الحزب عن توجيه سلاحه مجدداً في اتجاه اسرائيل .
ولكن الرهان يبقى على رد الفعل الاميركي وتالياً الاسرائيلي على الرد اللبناني على ورقة الافكار الاميركية، وهل تفتح باباً ايجابياً للتفاوض ام يعتبر انها تشتري وقتاً للحزب وتثبت عجز السلطة في لبنان فحسب، مع كل التداعيات التي يمكن ان يؤدي ذلك اليه؟
rosannabm @hotmail.com