مبادرة شيوخ الخليل: كيف تستغل إسرائيل العشائر لتفكيك القضية الفلسطينية؟

مبادرة شيوخ الخليل: كيف تستغل إسرائيل العشائر لتفكيك القضية الفلسطينية؟

ليست هذه المحاولة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي تلجأ فيها إسرائيل للترويج لبروباغندا “الإمارات الفلسطينية”، وقد جاء آخرها عبر صحيفة “وول ستريت جورنال” التي نشرت مقترحاً لخمسة من شيوخ العشائر، بزعامة الشيخ وديع الجعبري، يتعهدون فيه بالسلام والاعتراف الكامل بإسرائيل كدولة يهودية. وتتضمن خطتهم انفصال الخليل عن السلطة الفلسطينية وتأسيس “إمارة” خاصة بها، تمهيداً للانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام”.


الخطوة، وإن بدت هامشية أو فردية، تثير علامات استفهام كثيرة بشأن الفراغ السياسي المتزايد في الساحة الفلسطينية، في ظل الانقسام المستمر، وتأجيل الانتخابات التشريعية، وحرب الإبادة الجارية في قطاع غزة، والتهجير المتصاعد للمخيمات في الضفة الغربية، من دون أي موقف فعلي للسلطة الفلسطينية. كل ذلك أدى إلى اتساع الهوة بين القيادة والشعب، في غياب رؤية وطنية جامعة. وبينما تنشغل القيادة بالتعيينات وتوزيع المناصب، يواصل العقل الإسرائيلي حبك مخططات الاختراق الناعمة عبر أدوات محلية.
تاريخياً، لطالما استخدمت قوى الاستعمار أسلوب اختراق البنية العشائرية كوسيلة للسيطرة. فعلها الاحتلال البريطاني سابقاً، ثم تبعه الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 عبر أدوات كـ”روابط القرى” والمخاتير والإدارة المدنية، التي تطورت لاحقاً إلى وزارة الشؤون المدنية بعد اتفاق أوسلو. واليوم تعود الفكرة بثوب “إمارات عشائرية” بمسمّيات جديدة.

 

الشيخ وديع الجعبري، الذي طرح المبادرة نيابة عن عدد من شيوخ العشائر..

تفاصيل المبادرة
الرسالة التي نشر مضمونها وجّهت إلى وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات الذي استضاف الشيخ الجعبري وشخصيات عشائرية أخرى أكثر من 12 مرة منذ شباط/فبراير الماضي. وبحسب الصحيفة، فإن المبادرة تقوم على خمس نقاط:
1. الاعتراف الكامل بإسرائيل كدولة يهودية، مقابل إنشاء “إمارة الخليل”.
2. الانفصال عن السلطة الفلسطينية وعدم منحها الشرعية.
3. التعاون الاقتصادي عبر توظيف آلاف العمال في إسرائيل، بشرط “صفر إرهاب”.
4. إقامة مشروع أمني تنموي في منطقة قريبة من جدار الفصل.
5. رفض اتفاقيات أوسلو، واستبدالها بحكم عشائري أقل فئوية وأكثر تمثيلاً.
وتُظهر المبادرة رغبة في الانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام”، بذريعة فشل السلطة، وضرورة “تفكير جديد”، على حد تعبير بركات. وبحسب مصدر إسرائيلي رفيع، فإن نتنياهو “يدعم المبادرة بحذر” ويراقب تطوراتها.

ردود فلسطينية: مشروع اختراق اجتماعي
يتوقع أصحاب المبادرة أن يجذبوا الرأي العام الإسرائيلي، مدّعين أن “السلطة الفلسطينية فقدت شرعيتها”، وأن العشائر تمثل بديلاً حقيقياً. لكن هذا الطرح لاقى رفضاً واسعاً.
ويقول الباحث السياسي مازن الجعبري، في اتصال مع “النهار”، إن “الشيوخ لا يمثلون الخليل ولا عائلاتها الكبرى. الاجتماع تم بحضور شخصية إسرائيلية، وهو مجرد مبادرة فردية فبركها الإعلام الإسرائيلي لتبدو كأنها تحظى بإجماع شعبي”. وأكد أن “المبادرة تأتي ضمن مساعٍ إسرائيلية ممنهجة لخلق قيادة بديلة مفروضة على الفلسطينيين”.
وأضاف أن الاعتراف بإسرائيل تحت غطاء “إمارات مستقلة” يمثل تنكراً لتاريخ الخليل وتضحياتها، ويأتي في سياق استغلال النسيج الاجتماعي لمدينة تعاني التفتيت بفعل الاستيطان، وعزلة مزمنة منذ اتفاق الخليل عام 1996.
وأوضح أن “ضعف أداء السلطة وتزايد النقد الشعبي لدورها يتيحان للإسرائيليين التسلل عبر بعض رجال العائلات، والترويج لدعاية تستهدف وحدة المجتمع الفلسطيني”.

الخطة البديلة: الإمارات السبع
الفكرة ليست جديدة. إذ سبق أن تحدّث الأكاديمي الإسرائيلي مردخاي كيدار عن “خطة الإمارات السبع” كبديل لحل الدولتين، عبر إقامة سبع إمارات فلسطينية عشائرية في مدن الضفة الغربية، تتولى إدارتها قيادات تقليدية، في مشروع هدفه استبدال العنصر الوطني الولائي ببنية قبلية مضمونة الولاء، وتفريغ فكرة الدولة من مضمونها.


وفي هذا السياق، علّق أحد النشطاء من مدينة الخليل قائلاً: “القضية كلها تتعلق بالحصول على تصاريح عمل لبيعها للعمال الفلسطينيين. هؤلاء الشيوخ لا يمثلون أحداً سوى أنفسهم”.
وعليه، يبدو أن محاولة خلق كيان عشائري بديل من السلطة في الخليل ليست سوى حلقة جديدة من مشروع تفتيت الهوية الفلسطينية، وضرب الأسس الوطنية الجامعة، مقابل بناء ولاءات موضعية تخدم مشاريع إسرائيل.